مكانة الفلك والتنجيم في تراثنا العلمي
تأليف: عبد الأمير المؤمن
دار القلم – دبي، مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث - دبي
سنة 1997م، 394 ص، 24سم. جاء هذا المؤلف في ستة فصول، احتوى كل فصل عدداً من النقاط، كان الفصل الأول عبارة عن مدخل حول تراثنا العلمي والفلك والتنجيم، تكلم فيه الباحث عن تراثنا العلمي، والحاجة إلى إبرازه؛ لأننا نعيش حضارة علمية، وتحدث عن علم الفلك والتنجيم من خلال تعاريفهما وتاريخهما، ومؤلفات العلماء فيهما، والفرق بينهما، والتداخل والانفصال بينهما. وفرق بين الفلكي والمنجم راصداً خلفيتهما العلمية، وأن عملية الجمع بينهما بسبب الميراث المشترك الطويل بينهما.
أما الفصل الثاني فخصصه للحديث عن جذور الفلك والتنجيم، والكلام عن بدايتهما، وكيف حصل التداخل بينهما، وكيف كانت النظرة إليهما في الحضارات القديمة، وكيف ربطوا الآلهة والأرواح بالنجوم، ومدى تأثير ذلك على الفلك العربي الإسلامي، وتحدث بشكل مستقل عن الفلك والتنجيم اليونانيين، وأبرز أعلامه، ومدى تأثير أرائهم في الفكر الفلكي الإسلامي.
وعرض الباحث في الفصل الثالث لتراثنا الفلكي والتنجيمي، وبين أن المعلومات الفلكية والتنجيمية قبل الإسلام، ومعرفة العرب بها، أملتها الحاجة الحياتية، وليس العلم ذاته، فلذلك لم ترق إلى ما كان عند اليونان والرومان من مادة تنجيمية منظمة، انتقلت فيما بعد إلى حضارتنا، وكيف أن الوضع السياسي الجديد في عصري صدر الإسلام والأموي طغى على المعلومات والمعارف القديمة، وإن لم يخل الأمر من مشاركات، بسبب أن القرآن والحديث فتحا الأذهان إلى النظر في الآفاق، ما مهد لنشوء علم الفلك والتنجيم، ثم انتقل الباحث إلى عصر المنصور الذي ظهرت فيه بدايات هذا العلم بسبب التوسع في الترجمة، ولما لم تكن أركانه قد ثبتت، فقد طغى الفكر التنجيمي على الفلك العلمي، ولكن ذلك الأمر لم يمنع من أن يكون تمهيداً لنمو علم الفلك الرصدي وتطوره في عهد المأمون، على إثر عوامل كثيرة، كنمو الترجمة وظهور شخصيات رسمية علمية قوية، ومؤسسات ثقافية، كبيت الحكمة، كما كان للمأمون دور مهم في دفع هذا العلم وتطوره، وأصبح علماً رصدياً عقلياً أساسه المرصد والآلات الفلكية، فقد أنشأ المأمون مرصدين في دمشق وبغداد، ونضج هذا العلم ووضعت قواعده وهيكله العام، ومن ثم ملأه اللاحقون بأروع البناء الفلكي، فأمكننا القول إن عصر المأمون هو عصر تأسيس علم الفلك القائم على الأرصاد والملاحظات العلمية.
وتسائل في الفصل الرابع عمّا قدم الفلك الرصدي، فبين أنهم باستخدامهم المنهج العلمي الذي قامت نتائجه على الجمع بين الملاحظات والعقل قدّموا نظريات وأفكاراً رائعة، وكان من أهم أسباب هذا المنهج هو روح القرآن الكريم، وثورته على التخلف والتقليد، وتوجيه العقول إلى النظر الحسي، فالاستنتاج، فظهرت من خلاله منجزات فلكية كبرى كالاقتناع بكروية الأرض، والإشارة إلى حركتها وجاذبيتها، وضبط قياس محيطها، وأرقام حول الشمس والقمر والكواكب والنجوم، والإشارة إلى المدارات الأهليليجية، والشهب والأحجار البنزكية، والمذنبات والمجرة وتسجيل النجوم المتفجرة، وظاهرة الجزر والمد وزرقة السماء وغير ذلك.
وذكر عن المراصد الفلكية، وآلات الرصد، فتحدث عن المراصد وتطورها، ومدى مساهمتها في الإنجازات الفلكية، وكم قدمت الآلات من نتائج فلكية دقيقة، وأشهر أنواعها وصانعيها.
أما الفصل الخامس بين فيه أن حضارتنا تُقِرُّ الفلك وترفض التنجيم، وكيف أن القرآن والسنة حثّا على العلم. وبيّنا أهمية السماء، وذكر أن القرآن يرفض الخرافات والتنجيم ويحاربه، ووضح أن الأمور المستقبلية الغيبية لا يعلمها إلا الله. وأشار إلى رأي العلماء على اختلاف تخصصاتهم، في التنجيم، وأنهم على عمومهم رفضوه وشددوا على رفض نسبة التأثير إلى النجم نفسه، وأن سبب القول بالتأثير هو توسع المنجمين في مشاهداتهم، وتحدث عن إخفاق التنبؤات التنجيمية، واستعرض أمثلة من التاريخ عن ذلك.
والفصل السادس أفرده للحديث عن تقدم الفلك وركود التنجيم، وكيف انحسرت إغراءات التنجيم التي سادت في عصر المنصور أمام قوة الفلك العلمي، وكيف أن الخرافة والتنجيم جمدا الفلك الأوروبي في العصور الوسطى، وكيف أن المادة الفلكية التراثية تمهد للفلك الحديث، فقد وجد الغربيون المنهج العلمي لدراسة المادة عند علمائنا، فالتقطوا عناصره الأساسية وبنوا فوقه، وتحدث عن الفلك والتنجيم اليوم، وتطور الفلك من خلال الأقمار الصناعية، والاكتشافات والتطورات فيه. وتعرض للتنجيم فبين كيف أنه بقي يراوح مكانه، وأدى به ذلك إلى الانفصال عن الفلك بسبب تركيزه على الاهتمام بالمستقبل ومعرفة الغيب، وبين أن موقف العلم الحديث منه هو إرادة تشخيص العناصر العلمية في الفكر التنجيمي، التي هي في الأساس تابعة للعلم، وإن لم يقل فيه كلمته النهائية إلى الآن.