موضوع جميل ومعبر اخي العبري .
وياليت الناس تهتم بهذا الجانب الاجتماعي والخلقي ويراعوا حقوق الجيران , وليس كما هو حاصل الان الجار يكيد على جاره .
تعريف الجار في الاصطلاح: وهو مَنْ جاورك جوارًا شرعيًا سواء كان مسلمًا أو كافرًا، برًا أو فاجرًا، صديقًا أو عدوَّا ً، محسناً أو مسيئاً، نافعًا أو ضارًا، قريبًا أو أجنبيًا، بلديَّاً أو غريبًا.
وله مراتب بعضها أعلى من بعض، تزيد وتنقص بحسب قربه، وقرابته، ودينه، وتقواه، ونحو ذلك، فَيُعْطى بحسب حاله وما يستحق >
اختلفت عبارات أهل العلم في حد الجوار المعتبر شرعًا، فمما قيل في ذلك ما يلي(4):
1_أن حد الجوار أربعون دارًا من كل جانب، وقد جاء ذلك عن عائشة_رضي الله عنها_كما جاء عن الزهري والأوزاعي.
2_أنه عشرة دور من كل جانب.
3_أن من سمع النداء هو جار، وقد جاء ذلك عن علي÷.
4_أن الجار هو الملاصق الملازق.
5_أن حد الجوار هم الذين يجمعهم مسجدٌ واحدٌ.
والأقرب_والله أعلم_أن حد الجوار يُرجع فيه إلى العرف؛ فما علم عرفاً أنه جار فهو جار.
لا ريب أن الجوار في المسكن هو أجلى صور الجوار وأوضحها.
ولكن مفهوم الجار والجوار لا يقتصر على الجوار في المسكن فحسب؛ بل هو أعم من ذلك؛ فالجار معتبر في المتجر، والسوق،
والمزرعة، والمكتب، ومقعد الدرس.
ومفهوم الجار يشمل الرفيق في السفر؛ فإنه مجاور لصاحبه مكانًا وبدناً، ولكل واحد منهما على الآخر حق الجوار.
والزوجة كذلك تسمى جارة، كما جاء في تفسير قوله_تعالى_[وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ] (النساء: 36).
وسيأتي بيان تلك الآية قريبًا، بل إن العرب كانت تسمي الزوجة جارة كما قال الأعشى لامرأته الهزانية حين طلقها:
أيا جارتا بِيْنِي فإنك طالقةْ
وموموقة ما دمت فينا ووامقةْ
وكذلك مفهوم الجار يشمل الجوار بين الدول والممالك؛ فلكل دولة على جارتها حق الجوار.
وكذلك يُقال للذي يستجير بك: جار، وللذي يجير: جار.
لقد أوصى الإسلام بالجار، وأعلى من قدره؛ فللجار في الإسلام حرمة مصونة، وحقوق كثيرة لم تعرفها قوانين الأخلاق، ولا شرائع البشر.
بل إن تلك القوانين والشرائع الوضعية لتتنكر للجار، وتستمرئ العبث بحرمته؛ إذ غالبًا ما يكون العبث بحق الجار أسهل تناولاً، وأقل كلفة، وأسنح فرصة.
ولقد بلغ من عِظَم حق الجار في الإسلام أن قرنَ الله حق الجار بعبادته وتوحيده_تبارك وتعالى_وبالإحسان إلى الوالدين، واليتامى، والأرحام.
قال_عز وجل_في آية الحقوق العشرة: [وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ] (النساء: 36).
فقوله_تعالى_: [وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى]: هو الذي بينك وبينه قرابة، وقيل: هو الذي قَرُبَ جوارُه، وقيل: المسلم، وقيل: الزوجة.
وقوله: [وَالْجَارِ الْجُنُبِ]: قيل: هو الذي يعد في العرف جارًا وبينك وبين منزله فسحة.
وقيل: هو الذي ليس بينك وبينه قرابة، وقيل: الزوجة: وقيل: غير المسلم
أما السنة النبوية فقد استفاضت نصوصها في بيان رعاية حقوق الجار، والوصاية به، وصيانة عرضه، والحفاظ على شرفه، وستر عورته، وسد خلَّته، وغض البصر عن محارمه، والبعد عن ما يريبه ويسيء إليه.
ومن أجلى تلك النصوص وأعظمها ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة وابن عمر_رضي الله عنهما_أن النبي " قال: =ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورِّثه+
أي ظننت أنه سيبلغني عن الله الأمرُ بتوريث الجارِ الجارَ.
وهذه كلمة جامعة بالغة؛ فإن الوصاية بالجار تشمل كف الشر عنه وإسداء الخير إليه، وقوله ": =حتى ظننت أنه سيورِّثه+ يدل على أن الوصاية بالجار كانت على جانب عظيم من التأكد، والحث على رعاية حقوقه
حقوق الجار على وجه التفصيل كثيرة جدًا وأما أصولها فتكاد ترجع إلى أربعة حقوق:
1_كف الأذى: فقد تقدَّم أن للجار مكانةً عالية، وحرمةً مصونة.
ومن أجل ذلك جاء الزجر الأكيد والتحذير الشديد في حق من يؤذي جاره؛ فالأذى بغير حق محرم، وأذية الجار أشد تحريمًا.
جاء في صحيح البخاري عن أبي شريح÷عن النبي " قال: =والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن+.
قيل: من يا رسول الله ؟
قال: =من لا يأمن جارُه بوائقه+
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة_رضي الله عنه _: =من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره
وعن أبي هريرة÷قال: قيل للنبيِّ ": يا رسول الله ! إن فلانة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل، وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها ؟
قال رسول الله ": =لا خير فيها، هي من أهل النار
بل لقد جاء الخبر بلعن من يؤذي جاره، ففي حديث أبي جحيفة÷قال: جاء رجل إلى النبي " يشكو جاره، فقال له: =اطرح متاعك في الطريق+.
قال: فجعل الناس يمرون به فيلعنونه، فجاء إلى النبي " فقال: يا رسول الله، ما لقيتُ من الناس ؟.
قال: =وما لقيتَ منهم ؟+. قال: يلعنوني.
قال: =فقد لعنك الله قبل الناس+.
قال: يا رسولَ الله، فإني لا أعود+.
مستل وبتصرف من بحث مطول بعنوان التقصير في حقوق الجار , كتبه محمد بن ابراهيم الحمد , الموسوعة الشاملة .