محمد علي عوض زاكن باحنان الاشعثي الكندي الحضرمي .
ولد بتريم الغناء من مواليد سنة 1312 هـ
له من الأولاد ثلاثة : بنتان وولد هو الشيخ القاضي العلامة علي محمد باحنان صاحب كتاب نيل المقصود شرح سنن ابي داود المكون من تسعة عشر مجلد , وغيرها من المؤلفات الاخرى . .
تاريخ الوفاة : 12 من شهر جماد الأول من عام 1383 ه عن عمر يناهز السبعين عاما , وقبر في مدينة صيف دوعن .ادوار حياة الشيخ باحنان وهي :دور التربية والتنشئة : أما تربيته فكانت والدته هي المضطلعة بها وهي السعد بنت عبيد مسيعود باجهام التريمي , لان أبيه كان من الابدال المدلهين الذين لا يحسنون أحوال حياتهم ومعاشهم وقد ترجم الشيخ باحنان لوالده ووالدته في كتابه (( منهل العرفان في ذكر مشاهير بني حنان )) .
و لقد كانت والدته تحثه على الدأب والجد والاجتهاد في طلب العلم فكانت تسامره ليجتهد في حفظ المتون ودرسها , ومطالعة دروسه العلمية .
ولم يقنعها حرصها ذلك حتى جلبت له أترابه في المدرسة إلى بيتها ليلا ونهارا لينافسوه , وينافسهم في الطلب وللتعاون على البر والتقوى , وتحصيل الرقي والنشاط , فكانت تجمع الجميع في بيت والده وتساهرهم وتحثهم على اغتنام الساعات , ولا تنام حتى ينام آخرهم فكأن البيت لذلك رباط أو مدرسة لما يعلوا من أصوات الطلبة ومباحثهم العلمية , وكانت تداري الطلبة وترغبهم ما استطاعت , وتسال عنهم إذا تأخروا عن الإتيان إلى البيت , وتصبر على أذى أهل العرامه منهم إلى آخر حياتها ( رحمة الله عليهم أجمعين ))
وعند ختمه للقران ومعرف مالا باس به من الخط , وكان إذ ذاك مصادفا انتصاب الإمام الفقيه العلامة شيخه الأول : الحسن بن اسماعيل بن علي الحامدي البكري للتدريس بعينات , بعد رجوعه من تريم بمدة , فأتى به والده قبل وفاته بقليل , وحثه على الاعتناء به , وحط نظره عليه فامتثل ذلك الإمام الأمر , فابتداء في الطلب , وقرا على شيخه المذكور , ما حفظه ومن الكتب المطولة , فقها , ونحوا , وتفسيرا , وحديثا , وغير ذلك .
هذا وقد عني به شيخه الحسن ابن اسماعيل كل العناية ووجهه خير توجيه وبذل له من النصح والإرشاد كل ماوسعه , حتى لقد كان يوصيه نثرا ونظما , بالجد والتسابق في مضمار البحث والتحصيل , ولقد ضاعف من اهتمامه به ما كان يلاحظه عليه من الإقبال على العلم , والرغبة فيه , ونأخذ من ذلك القصيدة التالية , المورخه بيوم الجمعة الموافق عشرة جمادى الآخر سنة 1328 ه , والذي يوجهه ويرشده فيها حيث يقول :يابن زاكن افهم المعنى ودندن وغن
وسر على المنهج الوضاح في اقوم سنن
وقبل إلى الله بالوجه الطليق الحسن
ليمتلي القلب نورا بعد محو الدرن
طوبى لعبد بذا المحبوب أفنى الزمن
ما همه إلا الله في خفا وعلن
فرح تعلم ولا تنظر إلى من ركن
إلى الدنية فعقبى اليوم يوم الحزن
وقم تضلع من أهل العلم في كل فن
فسوف تحمد كسب العلم يوم الضعن
واطلب علوم الشريعة في ليالي الدجن
يا محسن العلم للطالب إذا الليل جن
تفرح وتجذل إذا حان السفر للوطن
تعطى وقاية من أهل السؤ وأهل الفتن
وهذه القصيدة وغيرها مثبته في ديونه المسمى (( بالروض المؤنق )) وقد ترجم الشيخ باحنان لشيخه الحسن بن اسماعيل , وذكر بعض شمائله وأحواله في بعض كتبه كمناقبه المسماة (( بالشرف الأصيل في شمائل ابن اسماعيل )) (( وكمنهل العرفان في مشاهير بني حنان )) وفي ثبته المسمى (( بمنح المنان على عبده المفتقر الى الغفران )) وغير ذلك .
طلبه للعلم بتريم وذكر من اخذ عنهم :
ولما بلغ الشيخ محمد ـ رحمه الله ـ سن المراهقة طلب من شيخه الحسن ابن اسماعيل ومن والدته أن يأذنا له بالالتحاق برباط تريم فقرا واخذ عن جميع المشهورين من علمائها , الذين من اجلهم العلامة القائم بالتعليم والإرشاد برباط تريم الإمام الفقيه : عبدالله بن عمر الشاطري , وكذلك العلماء والمشايخ الافاضل والذي منهم : علي بن عبدالرحمن المشهور , والعلامة عبدالباري بن شيخ العيدروس وغيرهم .
وفي أخر شهر ظفر سنة 1334 ه كانت أخر رحله للإمام المجتهد : احمد بن حسن العطاس , فطلب من شيخ باحنان الحسن بن اسماعيل أن يسمح له بأخذه الى ( دوعن وحريضه ) ليقرأ عليه ويأخذ عنه، وذلك لما توّسمه فيه من استعداد وحرص، فأذن له بعد إذن أمه، وصحبه في رحلته، متنقلاً معه بين المشهد ودوعن وحريضة، حتى توفي الإمام المذكور في رجب من العام المذكور، بعد أن انتفع المؤلف بصحبته التي كانت على قصرها من أهم الأسباب التي هيأت له إلماماً واسعاً بمختلف العلوم والمعارف، كما كان لها الأثر في توسيع إدراكه، وترحيب أفقه، ووقوفه على كثير من أسرار ما غاب عنـه، أو اعتاض عليه ؛ وقد أجازه في كل ما أخذه عن مشايخه إجازة خاصة وعامة، وأمره أن يكتب ويجمع.
اشتغال الشيخ باحنان بالتعليم والعلم :
ولما عقـدت جمعية الحق بتريم ، وافتتحـت مدارسهـا، وتلتهـا جمعيـة نشـر الفضائـل قدم إلى (عينات) السيد الفاضل : أبو بكر بن علوي المشهور، فزيَّن لشيخ المؤلف إنشاء مدرسة تكون فرعاً لمدارس هذه الجمعيات على مناهج التعليم الحديث ، فاختير الشيخ باحنان للتدريس بها حوالي عام 1336هـ، فأسهم في تلك النهضة العظيمة التي كان لها أثر محمود في دراسة الفقه والقرآن والتجويد والتوحيد والتفسير والحديث والعلوم الرياضية الأخرى.
وظل المؤلف مشتغلاً بالتعليم والعلم في بلدته، تتخرج على يديه المئات من أبنائها، حتى سنة 1360هـ بعد ابتداء الأزمة بحضرموت. وفي تلك السنة هاجر إلى (دوعن) لأسباب أهمها اشتداد هذه الأزمة، وقام بالتدريس في مدرسة (نسرة) القرية التي نهض بالتعليم فيها والإنفاق عليها الشيخ المحسن : أحمد بن سالم بامساعد ، فتخرج عليه فيها عدد كبير، وارتفع صيت المدرسة به ، وذاعت شهرتها في أرجاء حضرموت بسببه ، حتى ارتحل إليها المئات من المغتربين للأخذ عنه .
ولما كانت سنة 1363هـ وحالت أزمتها دون اطراد التعليم بالمدرسة ، اضطّر إلى الانتقال منها إلى (صيف) التي تبعد عنها عدة أميال ، وهناك ألقى عصا التسيار، وانقطع للعلم والتعليم، يبذل فيهما جهده للصغار والكبار، ويحارب العادات والعقائد المنحرفة، والأهواء والبدع الفاسدة ؛ وهو يصابر المعادين له والمعاندين، ويصبر على كيدهم، دون أن يصدّه ذلك عن الجهاد في سبيل العلم والدين.
إقامة الشيخ باحنان بدوعن وانتصابه للعلم والتعليم :
وخلال إقامته بصيف دوعن قام ومع ابنه الشيخ علي وبالتعاون مع المحسنين من أهل البلد بتأسيس مدرسة الفلاح الذي ذاع صيتها ونتفع بها , حتى زارها عدد من العلماء والمشايخ الفضلاء , للوقوف على هذه المدرسة وهذه النهضة العلمية , التي عم بإذن الله خيرها وادي دوعن كله , ونشرة أخبارها في الصحف والمجلات الصادره انذاك كمجلة النهضة , والطليعه , والايام العدنية وغيرها .
الشيخ محمد علي باحنان شاعرا :
الى جانب انه كان فقيها , وعالما , ومؤرخا , فقد كان كذلك اديبا وشاعرا مفوها , وله العديد من الاعمال الشعرية منها : اللؤلوة الثمينة نظم سفينة النجاة في الفقه , العقد الثمين في سيرة سيد المرسلين , منظومة العلم في معرفة التهجي ورسم القلم , تخميس قوافي الحكيم الترمذي في الوعظ برمضان , وله ديوان شعر سماه (الروض المؤنق) في أكثر من ( 300 صفحة ) , تنميق الاسفار بما وقع من الاشعار , وهو يقول الشعر الحكمي والحميني , و نقتطف من الحديقة الغناء لاشعار الشيخ باحنان هذه المقتطفات :
فهذه ابيات من قصيدة وعظية قال فيها :
الحمد لله دايمــا كــــل حـــــين ** عد الذي يذكرون اللـــــه والغافلـــين
ثم الصلاة على احمد واله الطاهرين ** اهل التقى والنقى والصحب والتابعين وبعد فالذكر حقا ينفع الذاكريـــن ** هذه نصيحه وانا اولى من الحــــاضرين
....الخ
الشيخ باحنان فقيا ومؤرخا :
لقد ترك ثروة علمية ضخمة لا تقدر بثمن , فله من المؤلفات في الفقه , والسيرة , والادب والشعر والرحلات والتراجم ما يقرب من اربعين مصنف ونستعرض هنا بعض من مؤلفاته في فنون شتى وقد سبق ذكر بعضها . ففي الفقه وعلوم الشريعة والتاريخ والتراجم , التحفة السنية شرح المختصر اللطيف، وهو جزءان , المدد الفائض في علم الفرائض , القول المبين شرح العقد الثمين , كشف الغمة ، تعليق على حديث ( اختلاف أمتي رحمة ) , القول الصحيح الأرجح لبعض من مسائل العقيدة , السيوف الباترة لأهل البدع المنكرة , الدر الثمين في أصول الدين وتعليم التلاميذ ما يجب على المسلمين , التذكرة العامة للبوادي والعامة , التذكرة والإدكار لأهل التبصرة والإعتبار, رسالة في حياة المرأة المسلمة , رسالة في علم التجويد , قرة الطرف في تعليم قواعد التهجي ورسم الحرف .
أما في التاريخ والتراجم والرحلات ـ تاريخ الأحقاف ـ ، وهو كتابه الجامع المسمّى (القول الشاف في تاريخ الأحقاف) في تسعة أجزاء ، مع مقدمه سماها (الإتحاف) , جواهر تاريخ الاحقاف وهو منتخب من كتاب القول الشاف في تاريخ الاحقاف وقد طبع طبعتين الاولى سنة 1962 عن مكتبة الفجاله والطبعة الثانية 2008 عن دار المنهاج , الاسعاف وهو فهرست تاريخ الاحقاف , الاصداف اختصار تاريخ الاحقاف , الوجيز في تاريخ الاحقاف السياسي , الفرج بعد الشدّة في إثبات فروع كندة , الجواهر المعده في تاريخ كندة , الدرر النفائس في مشاهير كندة وال فارس , قرة العين في تاريخ الهجرين ( مشجرة لاصول مشاهير ملوك كندة بحضرموت في الجاهلية والاسلام ومشاهير الصحابة الوافدين على النبي صلى الله عليه وسلم واهل الفتوحات وعلمائهم ومحدثيهم , وقضاتهم وادبآئهم ) , الصحابي الجليل الاشعث بن قيس الكندي ـ رضي الله عنه ـ , ذخيرة الأكياس في مناقب شيخه أحمد العطاس , الشرف الأصيل في مناقب شيخه الحسن بن إسماعيل , منح المنان على عبده المفتقر إلى الغفران ( ثبت في شيوخ المؤلف رحمة الله عليهم أجمعين ) , غرر العبر مما مر في الحياة وغبر للعبد الأقل ( السيرة الذاتية للمؤلف رحمه الله ) , بشرى المنقبين عن مجد العموديين , منهل العرفان تراجم مشاهير بني ( حنان ) , العقود الحسان في شجرة فروع بني ( حنان ) , الرحلة المكية , ورحلة حجة سنة 1368 هـ , الرحلة إلى نسره , رحلة السادة البكري إلى المناطق الحضرمية . .
و نكتفي هنا عرضا للكتب التاريخية بما ذكره في مقدمة التاريخ عن دواعي كتابته لتاريخ حضرموت واليمن ووصفه لكتاب القول ألشاف حيث قال رحمه الله في مقدمة الجزء الثاني (( ان علم التاريخ علم شريف , وفن منيف , لا يستغني عنه أولو البصائر , ولا يهتدي لجلالته إلا من هو في تحصيل العلوم صابر .
وفاة الشيخ الفقيه المؤرخ : محمد بن علي زاكن باحنان ـ رحمه الله ـ
هذا وقد توفي المؤلف رحمه الله يوم الاثنين الموافق 12 من جماد أول سنة 1383هـ عن عمر يقارب الواحد والسبعين سنة ، قضى جُله في خدمة العلم والتعليم والدعوة وقد قبر ببلد صيف دوعن إحدى مدن حضرموت .