حكم الشرع في إجازة السبت
الشيخ / عبد الله بن فيصل الأهدل
من معجزات النبي إخباره بأمور غيبية تحدث في مستقبل الأيام , ومن ذلك ما ورد في حديث أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ الْقُرُونِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَفَارِسَ وَالرُّومِ فَقَالَ وَمَنْ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ . قال النووي :والمراد الموافقة في المعاصي والمخالفات لا في الكفر وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه و سلم.اهـ وما زال ضعفة الإيمان من المسلمين – في عصرنا هذا - يندفعون وراء ما تنتجه العقول الغربية والشرقية دون نظر في خلفيات وحكم ما يقدمون عليه , ومن ذلكم نازلة إجازة يوم السبت ..والسبت يوم مقدس عند اليهود , وهو إجازتهم من عهودهم الأولى ؛ ففي التوراة المحرفة :في سفر التكوين : (2: 1-3): بارك الله يوم السبت وقدسه لأن فيه استراح الرب من جميع أعماله . في سفر الخروج: (16: 22-23): أن موسى قال لهم : هذا ما قال الرب : غدا عطلة سبت مقدس للرب .في سفر الخروج : (20: 8-11): في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها واستراح في اليوم السابع .في سفر الخروج : (31: 14): وكانت عقوبة تدنيس يوم السبت بعمل أي عمل فيه هي الموت .في سفر العدد : (15: 32-36): والرجل الذي وجد يجمع حطبًا يوم السبت رُجِم حتى الموت. في سفر العبور: (4: 1-11): إن السبت اليهودي لم يكن سوى رمز لراحة الله التي هي ميراث لكل شعب الله، فلنجتهد أن ندخل تلك الراحة. وقد رد الله على قول اليهود الباطل أن الله احتاج للراحة بقوله :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ " قال الطبري رحمه الله تعالى : يقول تعالى ذكره: ولقد خلقنا السموات السبع والأرض وما بينهما من الخلائق في ستة أيام، وما مسنا من إعياء .اهـ ثم روى بسنده عن قتادة : قوله وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ )... الآية، أكذب الله اليهود والنصارى وأهل الفرى على الله، وذلك أنهم قالوا: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، ثم استراح يوم السابع، وذلك عندهم يوم السبت، وهم يسمونه يوم الراحة .اهـ وبهذا يتبين أن الإجازة يوم السبت شعيرة من شعائر اليهود , وعليه فإن تعطيل المسلمين فيه تشبه باليهود فيما هو من شعائرهم .
يقول شيخ الإسلام :
.. وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا تَرْكُ الْوَظَائِفِ الرَّاتِبَةِ مَعَ الصَّنَائِعِ ، وَالتِّجَارَاتِ , أَوْ حِلَقِ الْعِلْمِ فِي أَيَّامِ عِيدِهِمْ، وَاِتِّخَاذُهُ يَوْمَ رَاحَةٍ وَفَرْحَةٍ ..اهـ
وقد كان اليهود مطالبون بتحري يوم الجمعة بدلا من السبت ؛ فعن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق .
روى الطبري بإسناده عن مجاهد في قوله تعالى إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه قال أرادوا الجمعة فأخطأوا وأخذوا السبت مكانه .
والعجب كل العجب أنه بعد هذه المنة التي امتن بها على المسلمين إذا بهم يتبعون اليهود والنصارى في أردأ اختياراتهم وضلالاتهم , وبدلا من أن يعتزوا بدينهم فيضطر اليهود والنصارى لاتباعهم إذا بالعكس هل الذي يحدث .
والتشبه باليهود والنصارى فيما هو من شعائرهم محرم كما ثبت من حديث اِبْنِ عُمَرَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ : مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ, فَهُوَ مِنْهُمْ .
قال شيخ الإسلام : لِأَنَّ الْمُشَابَهَةَ فِي بَعْضِ الْهُدَى الظَّاهِرِ يُوجِبُ الْمُقَارَبَةَ وَنَوْعًا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ يُفْضِي إلَى الْمُشَارَكَةِ فِي خَصَائِصِهِمْ الَّتِي انْفَرَدُوا بِهَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْعَرَبِ ذَلِكَ يَجُرُّ إلَى فَسَادٍ عَرِيضٍ .اهـ
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم عاشوراء ، فلما أخبر أن اليهود والنصارى يعظمون هذا اليوم عزم على صيام التاسع معه مخالفة لهم ؛ فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع ...
قال شيخ الإسلام : فتدبر هذا يوم عاشوراء يوم فاضل يكفر صيامه سنة ماضية صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه ورغب فيه ثم لما قيل له قبيل وفاته إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى أمر بمخالفتهم بضم يوم آخر إليه وعزم على ذلك .اهـ
ولم يقتصر نهيه صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالكفار في العبادات والشعائر فحسب ؛ بل ورد الأمر بالمخالفة حتى في العادات فمن ذلك ما ثبت عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ فَأَصَابُوا إِبِلًا وَغَنَمًا ... وساق الحديث إلى أن قال: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَة .
قال الحافظ ابن حجر :
قوله : وأما الظفر فمدى الحبشة : أي وهم كفار وقد نهيتم عن التشبه بهم . قاله بن الصلاح وتبعه النووي .اهـ
ومما جاء فيه النهي عن التشبه بهم في العادات كذلك : ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم .
يقول شيخ الإسلام : ... رتب الحكم على الوصف بحرف الفاء فيدل هذا الترتيب على أنه علة له من غير وجه حيث قال : إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم . فإنه يقتضي أن علة الأمر بهذه المخالفة كونهم لا يصبغون فالتقدير: اصبغوا لأنهم لا يصبغون، وإذا كان علة الأمر بالفعل عدم فعلهم له دل على أن قصد المخالفة لهم ثابت بالشرع ..اهـ
ومن ذلك أيضاً ما ثبت عن الشريد بن سويد رضي الله عنه قال : مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جَالِسٌ هَكَذَا وَقَدْ وَضَعْتُ يَدِي الْيُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي وَاتَّكَأْتُ عَلَى أَلْيَةِ يَدِي فَقَالَ : أَتَقْعُدُ قعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ .
والمقصود بالمغضوب عليهم اليهود , وفي هذا الحديث نهى النبي عن مجرد جلسة تشبه طريقة جلوسهم ؛ مع أن الظاهر أن الشريد رضي الله عنه لم يكن يعلم أن هذه طريقتهم في الجلوس ، ولم يكن يقصد التشبه بهم بلا شك .
ادعاء ورده :يدعي من أسس لإجازة السبت أن المصلحة تقتضي هذا فإن المسلمين إجازتهم الخميس والجمعة والغرب إجازته السبت والأحد فتنقطع المعاملات – وخاصة المالية منها – أربعة أيام كاملة واستبدال السبت مكان الخميس يختصر يوما من هذه الأربعة فتصبح ثلاثة !!
والجواب من وجوه :
1- إن البورصات العالمية الكبرى في اليابان ونيويورك الفارق بيننا وبينهم في التوقيت يجعل دوامهم في غير وقت دوامنا , بل إن دوام بعضهم بعضا مختلف , فهل سنسمع قريبا بمن يقول بمد الدوام 24 ساعة في اليوم لمسايرة البورصات العالمية !؟
2- إن تباعد البلدان يجعل دوامها يختلف تمام الاختلاف بسبب فوارق التوقيت , ومع ذلك فلم يحدث منهم أي تعديلات ؛ فلماذا لا يتأثر بدول الغرب إلا العرب !؟
3- لو تخيلنا أن ثمة خلل حادث باختلافات الإجازات فيكفي لسده بعض الموظفين لا الأمة كلها , فما حاجة المدارس مثلا لمسايرة الهيئات الاقتصادية !؟
4- هل اكتشفنا هذا الخلل فجأة !؟ وماذا عن السنوات الماضية كيف كانت الأمور تسير فيها !؟ أم إنه النظام العالمي الجديد الذي تدور رحاه فيعصف بكل الضعفاء !؟
وبالجملة فالاعتزاز بالدين يجبر الآخرين على احترام المسلمين , ومهما ابتغينا العزة في غير ديننا أذلنا الله .
ومن فتاوى شيخ الإسلام :
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ يَفْعَلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: مِثْلَ طَعَامِ النَّصَارَى فِي النَّيْرُوزِ، وَيَفْعَلُ سَائِرَ الْمَوَاسِمِ مِثْلَ الْغِطَاسِ، وَالْمِيلَادِ، وَخَمِيسِ الْعَدَسِ، وَسَبْتِ النُّورِ، وَمَنْ يَبِيعُهُمْ شَيْئًا يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى أَعْيَادِهِمْ أَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؟ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ فِي شَيْءٍ، مِمَّا يَخْتَصُّ بِأَعْيَادِهِمْ، لَا مِنْ طَعَامٍ، وَلَا لِبَاسٍ وَلَا اغْتِسَالٍ، وَلَا إيقَادِ نِيرَانٍ، وَلَا تَبْطِيلِ عَادَةٍ مِنْ مَعِيشَةٍ أَوْ عِبَادَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَلَا يَحِلُّ فِعْلُ وَلِيمَةٍ، وَلَا الْإِهْدَاءُ، وَلَا الْبَيْعُ بِمَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ لِأَجْلِ ذَلِكَ.
وَلَا تَمْكِينُ الصِّبْيَانِ وَنَحْوهمْ مِنْ اللَّعِبِ الَّذِي فِي الْأَعْيَادِ وَلَا إظْهَارُ زِينَةٍ.
وَبِالْجُمْلَةِ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَخُصُّوا أَعْيَادَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ شَعَائِرِهِمْ، بَلْ يَكُونُ يَوْمُ عِيدِهِمْ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ لَا يَخُصُّهُ الْمُسْلِمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِهِمْ .. إلخ
ومن فتاوى اللجنة الدائمة :
س: ما حكم من يعطل مدرسته يوم السبت والأحد، ويقرأ فيها يوم الخميس والجمعة، وهل يجوز أن يؤم المسلمين في الصلاة أو لا؟
ج : لا يجوز تخصيص يوم السبت أو الأحد بالعطلة أو تعطيلهما جميعا؛ لما في ذلك من مشابهة اليهود والنصارى ، فإن اليهود يعطلون يوم السبت والنصارى يعطلون يوم الأحد؛ تعظيما لهما، وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: . بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم رواه أحمد ، وأبو يعلى ، والطبراني ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وسنده جيد، فهذا الحديث فيه النهي عن التشبه بغير جماعة المسلمين، فيدخل فيه النهي عن التشبه باليهود والنصارى عموما في كل ما هو من سماتهم، ومن ذلك تعطيل اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد، ولا مانع من أن يؤم المسلمين في الصلاة إذا لم يكن فيه مانع سوى ما ذكر، مع نصيحته وتحذيره من التشبه بأعداء الله في أعيادهم وغيرها.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء :
عبد العزيز بن عبد الله بن باز عبد الرزاق عفيفي
عبدالله بن قعود عبدالله بن غديان
تنبيه :ما تقدم من حكم فإنه يلزم من بيده التغيير , وأما من لا يملك التغير فعليه النصح باللسان إن كان من أهل ذلك , وإلا فلا أقل من الإنكار بالقلب وهو أضعف الإيمان , كما ثبت في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان .
يقول شيخ الإسلام :
وإنكار القلب هو الإيمان بأن هذا منكر وكراهته لذلك .اهـ