حصري : مقابلة مع الباحث عبد الله صالح حداد

عبد الله صالح سعيد حداد

الاسم : عبد الله صالح سعيد حداد
من مواليد 1946م بمدينة الشحر م / حضرموت .

متزوج و له ست بنات وولدان , ماجد عبد الله ومحمد عبد الله .
معلم مدرسة متقاعد .

س1 – جربت الاغتراب لفترة قصيرة واخترت العيش في ربوع الوطن , ما حكاية ابو ماجد مع الاغتراب ؟ا

ج1 – اولاً أشكرك على إتاحة لي الفرصة كي أثرثر فيما لا فائدة فيه . ولكن هذا ما تريده أنت


ثانياً , نعم . لقد اغتربت بالمملكة العربية السعودية وبمدينة جدة , مكثت بها أربع سنوات دراسية لهذا تنقطع فترة الاغتراب هذه عند كل إجازة مدرسية . فقد كنت مغترباً للدراسة فقط , وكان معي زملاء في منحة دراسية من قبل الدولة . من هؤلاء الزملاء الأساتذة
احمد سالم الصبان ومبارك محمد هبير , وهما من مدينة الديس الشرقية . والبعض من مدن حضرمية أخرى وبلدات . لكن الأقسى في حياتي هو شعوري بالاغتراب وأنا أعيش في الوطن , وكم يكون هذا شاقاً على النفس

س2 – بمن تأثرت ومن مثلك الأعلى , وهل من مثل او حكمة تؤمن بها ؟ا

ج2 – طبيعي جدا أن أتأثر بمن حولي ومن سبقني في هذه الدنيا , تأثرت بأهلي و أصدقائي وناس مسقط رأسي مدينة الشحر , وخاصة الذين درجت معهم مراحل الطفولة , ثم تأثرت بعدد من المعلمين بالمدرسة , في المراحل الأولية والثانوية . وكان لدي محاولة لم يكتب لها النجاح إلى يومنا هذا . كانت تحت عنوان ( اساتذتي ) ربما يوفقني الله واتمه ثم انشره
ولقد قرأت في بداياتي بعض الكتب , كان اهتمامي بالتاريخ المحلي , ولم أكن قد سعيت إليه , لكن الشيخ علي سالم منصور , احد رجال التنوير بالشحر , وهو من أصهرني في أبنته , قد أطلعني في مراحل الشباب الاولى على كتابين في تاريخ حضرموت , كان الأول ( صفحات من التاريخ الحضرمي ) للشيخ سعيد عوض باوزير , والثاني ( تاريخ حضرموت السياسي ) للشيخ صلاح عبد القادر البكري , فقد كانت هذه تثبتاً لما غرسه فينا الأستاذ عمر عبيد بقرف ( مدرس من اهل مدينة الحامي ) وهو اول من قام بتدريسنا مادة التاريخ بالصف الرابع الابتدائي , وكان بعنوان ( شخصيات حضرمية )
ولقد تأثرت بعدد من الاساتذة , اذكر منهم ولا سبيل إلى ذكر الكل , الأستاذ سالم أحمد بن سلم , الأستاذ عبد الله عبد الكريم الملاحي , الأستاذ صالح سالم الأرضي , الأستاذ سعيد عبد الخير النوبان ( دكتور فيما بعد ) الأستاذ عوض الله السوداني وغيرهم . وأخيراً فلدي شعور بأني متأثر بالمؤرخين الأستاذ محمد عبد القادر بامطرف والأستاذ عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف , وإن لم أدرك شأوهما في البحث والتقصي والجهد والإمكانية , فهما مثلي الأعلى في بذل الجهد في سبيل العلم والوطن . ولعلي أتمثل بالحكمة المتظمنة في البيت الشعري :

كن أبن من شئت واكتسب أدبا


س3 – هل أنت قانع وراضي عن نفسك ؟ا

ج3 – نعم أحمد الله على هذه النعمة , وعلى ذلك أركز قولي , أني أبلغ من العمر 65 سنة وأكثر وأتمتع بصحة جيدة . ثم أن علاقاتي طيبة مع أهلي وأهل بلدي كما أظن , وقد حاولت طوال حياتي ان لا أسيئ إلى احد , ويمكنني القول : أني لم أقف يوماً على أي باب من أبواب الشرطة أو القضاء وعلاوة على ذلك يعجبني قول الشاعر :

ومن الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط


أما التطلع إلى مستقبل أفضل وإمكانات أعظم ونشاط أحسن و .. و .. و . فهذا حق مشروع لكل حي . ولكني راضي كل الرضاء عما تحقق لي في حياتي , وعسى حسن الختام .

س4 – لها من سمح ولها العز والمقدار , ماذا تعني لك سعاد الشحر ؟ا

ج4 – أن مسقط رأسي الشحر , التي يحب البعض أن يطلق عليها احد ألقابها ( سعاد ) , وهي كل شيء بالنسبة لي , أحبها وأحب ناسها الطيبين , وأقول , أحب الديار وأحب ساكنيها وأتمثل بقول
الشاعر باحسن :

ما بهند فتنت بل بسعاد مذ سبتني بحسنها الوقاد

قال الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف حولها :-

(( فمن هي ياترى سعاد التي فضلها على هند ؟ هنا تورية أدبية لطيفة يجب ان نوضحها , لقد أغراه بعض أهالي الشحر على السفر إلى الهند , سعياً وراء كسب العيش , فأبي وفضل البقاء في الشحر ( سعاد ) رغم ضائقة العيش التي بلاها في الشحر . فالمفاضلة هنا ليست بين غانيتين
ولكنها بين مدينتين سعاد الشحر وممبي الهند )) ا


س5 – عاصرت وزاملت العديد من الأعلام , الكتاب , الشعراء , والفنانين , فهل لنا بشئ من عالق الذكريات؟ا

ج5 – الكل من الناس يعاصر العديد من الآخرين , الذين يتعايشون في بقعة قدر الله لهم ان يعيشوها معاً . لكن أحيانا كثيرة وبتوفيق من الله , أن يقترب احد من شخص أرتاح احدهما للآخر , ورأى فيه ما يحقق رغبته وذاته . وأظن أني في الفترة الماضية من حياتي , عاصرت وعايشت الشيخ الراوي سالم عوض عبدن والشاعر حسين ابوبكر المحضار والمؤرخ محمد عبد القادر بامطرف . وكان الثلاثة . او كل منهما جبل في فنه . ولقد أمدت أيادينا إلى تلك الجبال فتسلقناها بحثاً عن معادنها الثمينة , ولم يخب رجاءنا , فقد استفدنا ولو كان قليلا . أما عن الذكريات , فربما واتتنا الشجاعة وكتبنا شطراً منها في القادم من الأيام .


س6 – يقال بأنك صاحب قلم مبدع , ولكن في الوقت عينه , فأن صاحب هذه الريشة مشاغب وعنيد , فماذا ترى ؟ا

ج6- نعم قالوا باني صاحب قلم , ودع عنك ماقالوا , وتعال إلى الواقع , فغني صاحب محاولة أو محاولات الكتابة في مجال معين هو التراث والتاريخ على الصعيد المحلي , ولا ادري كم نسبة ماحققته تلك الكتابات من النجاح او التأثير في الآخرين , لكنها مصيبة أصابتنا وقدرنا لان نكون مدعين وليس مبدعين في أمر الكتابة . وهذا ليس من قبيل التواضع ولكنها الحقيقة ولا رعى الله من كذب فيها وزور .
أما عن الشق الثاني من السؤال , فإني أرفض أن يقال عني أني مشاغبا . وأحلف بالله بأني لم أكن في يوم من الأيام مشاغباً أو مشاكساً . وأظن والله أعلم , أني على قسط من الأدب أو أحاول أن أكون كذلك . واعتقد أن الإنسان إذا حاول أن يدرس ويبحث مسألة ما أو ضالة , سيجد من يقف اما معه أو عليه . وقد يشتد النزاع , لكن هذا لا يدخل باب المشاغبة ولا المشاكسة , وعفواً يا أستاذ إذا لم أكن قد وفقت في الإجابة .

س7 – الأغنية الصنعانية , يمتد عمرها إلى مئات السنين , فمتى نؤرخ لميلاد الأغنية الحضرمية الحقيقي ؟ وهل صحيح أن حضرموت لم تعرف الغناء قبل الفنان سلطان بن الشيخ علي ؟ا

ج7 – الأغنية الحضرمية لا تقل عمر ولا فنية عن الأغنية الصنعانية , وفي جنوب الجزيرة عاشت نماذج من الفنون معاً , وكانت العوامل متشابهة تقريباً ومثلها الظروف , ولهذا جاءت النتائج متشابهة ومتقاربة إلى حد ما , رغم ان حضرموت مرت بفترة طويلة وهي تحت أمرت الأباضية وكانوا لا يحبون الغناء ولا آلاته , وعندما أتصلت حضرموت بالحكم الصليحي الشيعي تغير الامر , وكان الشيعة وإلى اليوم يرون أن الغناء أحد الوسائل الهامة في تمرير ماتريد إلى الجماهير من سم او دسم . فالناس هنا . اتبعوهم في امر الغناء كثيراً حتى أنهم ادخلوه إلى المسجد وعندنا شاهد عيان , تمثل في الشاعر الأمام الاباضي ابو اسحاق الحضرمي الذي يذكر الأمر عدة مرات في ديوانه ( السيف الوقاد ) وكان هذا في القرن الخامس الهجري . إضافة إلى هذا ماكان من أمر الفتيات اللاتي تغنين مع الزمر والدفوف على أثر موت الرسول صلى الله عليه وسلم , ناهيك عما جاء في كتب الأخبار عن الفن الحضرمي , ويستمر هذا في القرن العاشر الهجري , فقد قال الصوفي عمر بامخرمة :

كم وكم فيك حكمت القوافي والأشعار
شي على الحضرمي وآخر على فقعة الطار

وهو أول من ذكر آلة العود والرباب وبعض الآلات الإيقاعية وآلات الطرب عندنا . وقد توفي الشيخ بامخرمة بسيئون تحت الإقامة الجبرية عام 952هـ ( 1545م ) وفي طي كلامي مايكفي لان يكون جواباً للرأي السائد والخطأ بان سلطان بن الشيخ علي هو من ادخل العود ( عود الطرب ) إلى حضرموت . وهل كان يدور في خلد احد بان الحضارم أو من سكن هذه البقعة , ظلوا ساكتين عن الغناء والطرب وآلاته ومايحيط بهم من الشعوب العربية تغني وتطرب في كل المناسبات , وظلوا كذلك حتى وصل إليهم رسول الفن سلطان بن الشيخ علي .


س8 – كيف تنظرون إلى الواقع الثقافي اليوم وماهو السبيل الأمثل للمحافظة على الألوان الشعبية التي تزخر بها حضرموت والتي يبدو أنها تتجه للاندثار , خاصة العدة والشواني والشرح , هل من وسيلة لتقديمها بصورة أخرى معاصرة ؟ا

ج8- إذا نظرنا نظرة فاحصة للواقع الثقافي اليوم فسوف نراه على مستوى طيب إذا ماقارناه بأيام خلت من الزمن القريب منا , لكننا نريد ان يكون على أحسن مما هو عليه وهو في الحقيقة واجبنا كملسمين , فان اول ما انزله الله سبحانه وتعالى سورة ( إقرأ ) وهناك رواية تقول ان السورة الثانية هي ( نون والقلم ومايسطرون ) ورغم هذا فأننا امة لا تقرأ ولا تكتب شئ غريب مع انه امر من الله . ومع هذا فلو عقدنا مقارنة بين عدد المثقفين والقراء اليوم مع ماكانت عليه البلد قبل نصف قرن , سنجد أن لدينا الآن قراء كثيرون ومثقفين أكثر , لكن هناك ظروف وعوائق تقف في طريق الاستمرار في الرقي والتطور فمثلا طابور الغذاء مقدما على طابور الثقافة . نحن في زمن معياره ( جوع كلبك يتبعك ) علاوة على أن هناك من يحاول أن يقصي حضرموت وتاريخها وثقافتها وهويتها ورجالها , ولكنه خاطئ فان الحاسوب هذا الجهاز العجيب يحاول حل هذه المعضلات .

أما عن مسألة الحفاظ على الموروث بالشكل المتعارف عليه , فمن الصعوبة بمكان وان هذه الألوان الشعبية المذكورة في سؤالك ستذهب إلى غير رجعة , وهذه ضريبة المدنية والتطور الحضاري , لكن التوثيق والدراسة والاستفادة منها شئ مرغوب فيه . لكن لا الناس ولا المثقفين ولا التجار ولا الحكومة ولا ولا .. يعطون هذه المسألة أي اهتمام .

س9 – الدان البحري الديسي المعروف بدان جيبوتي , هل من دراسة حوله ! وماذا عن علاقته بالدان اللحجي ؟ا

ج9 – لطيف جداً منك هذه التسمية ( الدان البحري الديسي ) والذي نعرفه سابقا من ناس الديس الشرقية بأنه ( دان جيبوتي ) وقد كان ميناء جيبوتي في فترة مضت قد شهد ازدهاراً تجارياً , وكان كعدن ميناء ترانزيت , فكثرت فيه السفن الحضرمية وغيرها , ومنها من كان يعمل عليها افراد كثيرون من أهالي الديس الشرقية , كانوا يتجمعون هناك بهذا الميناء ويتغنون بالدان ( اللحجي ) الذي اطلق عليه ( دان جيبوتي ) لكونه خلق بينهم بهذا الميناء .
والأستاذ عبد الرحمن الملاحي يقول ان جماعة الديس خرجوا به من معالجة الزراعة كأثر بيئي لحجي إلى البحر ومشاكل البحارة على السفن وآلاتها والأنواء والرياح عند نواخيذ الديس وبحارتها .
وفي الحقيقة انا لم ادرس هذا اللون وليس لي به معرفة والسائل أعلم به وبتقنياته مني , وكما يقولون أهل مكة أدرى بشعابها .

س10 – السوبان ,الكنبورة , الباميلا والدربوكة , هل تصنف على أنها من التأثيرات الخارجية ؟ا

ج10 – ليس كل ماذكرت من اسماء الرقصات الاربع من مصادر خارجية , ونستطيع ان نستثني رقصة الباميلا ونحن اعطيناها اسما حضرميا ( باميلا ) وهي منقولة من شرق افريقيا كاملة وتعرف عندهم ( الميلا ميلا ) اما ( الدربوكة ) فإن الإسم تزامن مع دخول آلة ( الدربوكة , الدنبق ) عندنا , لكن هذه كما يقال لها سابقا ( السمسمية ) ولا اعلم ماذا يعني هذا الاسم, لكن الآلة هذه جنوبية ( جنوب الجزيرة ) وقد وجدت ضمن النقوش بشكليها الصغيرة والكبيرة .
ولا نستطيع القول بأن الكنبورة ذات التسميات المختلفة عندنا والتي تعني باللغة الهندية الجنوبية ( النار المقدسة ) ذات أصل هندي , لكن التسمية هكذا جاءت إلينا وانتشرت , لقد كانت حضرموت ارض اللبان وكان يحرق في المعابد على مستوى العالم في دور تعبدي وهو يحرق قديما ويشعل في الكنبورة , الكنبارة وغيرها من التسميات هنا على طول الساحل , فلماذا الا يكون دوره هنا للعبادة أيام تعدد الأرباب في اليمن كله قبل الإسلام .
أما ( السوبان ) فهو كما أشار لنا الأستاذ محمد عبد القادر بامطرف ( إله البحر ) وهذا الاسم صحب القبائل المهاجرة إلى شمال جزيرة العرب والهلال الخصيب , فوجدناها اسما لوادي واسما لجبل واسما لأحد أيام العرب ( الحروب ) واسما لأحد الأديرة , وجاء له ذكر في الشعر العربي وان لم يكن يدل على اسم إلاه .

س11- بعد بحثك الإبتهالات والمدائح في حضرموت , ماذا انجز الباحث عبد الله حداد ؟ا

ج 11 – بودي لو انشد ماكتبت , ولكننا هنا في الشحر وفي حضرموت تنقصنا بعض الأمور كالمكتبات العامة الكبيرة التي تحتوي على كل مانريد من مراجع ومصادر لأبحاثنا ولهذا نجد الكتابات الغربية تامة أو شبه تامة للمسألة التي نناقشها , ويكتنف كتاباتها القصور . لكن أحيانا يبعث الله لك من يساعدك على استكمال بحثك . و أنا هذه الأيام عاكفاً على وضع أخر اللمسات لوضع كتيب صغير عن الشاعر الفنان علي أحمد بن زامل باجري الحضرمي . وهناك أبحاث أخرى آمل ان ييسر الله لها الكمال ثم النشر .

س12 – باعتبارك احد الرواد , كيف تقيم تجربة مهرجان البلدة ؟ا

ج12 – كان فكرة رائعة ورائدة , فقد استغل القائمون على تجسيد الفكرة , الأيام من نجم البلدة التي يبرد فيها مياه البحر , ونظروا إلى عادة الاغتسال في هذه الأيام لتكون أيام سياحية ,والجميل انها تكون في فصل الصيف أيام الإجازات المدرسية , ومعها يكون الكثير من المهاجرين قد عادوا إلى البلاد او تشجعوا بلادهم في تلك الأيام , فيحتفل الجميع معاً . ربما تكون هناك أخطأ , لكن هذه سوف تصحح مرة تلو الأخرى . لكني أتمنى ان يكون المسئولين صبورين على تقبل النقد الهادف إلى الإصلاح .


س13 – كلمة أخيرة
ج13 – شكراً جزيلاً على الإتاحة مرة أخرى , وأنا لا أريد أن افرض نفسي معلما للأعضاء في منتداكم أو موجهاً . أن في الأعضاء الخير والاكتفاء ومنهم المثقف والمعلم وذوي الاهتمام الجم ببلدكم وناسها وترابها . فإذا أراد أحد أن يعلم شيئا عن بلدكم فهي في هذا المنتدى , ولن يجدها في غيره . وعلى ذلك فلا بد من التضحية بالوقت وبالقليل من المال كي يكون المنتدى رائدا في مجاله .

والسلام
عليكم


عبد الله صالح حداد



ديسمبر 2011م


cheers