في ذكرى عشار وتمزيق مكتبة الثانوية
بسم الله ,
في ذكرى مؤسس ثانوية الشحر ومكتبتها
غادرنا إلى رحمة الله الشيخ التربوي الأستاذ / محمد عوض حميدان ( عشار ) في مثل هذا اليوم 26سبتمبر 1884
, رحمه الله وأسكنه جنته . هذا الشيخ تربوي نعم ولكنه غير عادي , تعتز به مدينته الشحر أي اعتزاز , فقد رأت
عينيه النور فيها في أحد أيام عام 1923 , لهذا كان من الرعيل الأول من طلبة مدرسة مكارم الأخلاق الأهلية .
وهو من الذين عملوا بالحقل التربوي والتعليمي منذ تخرجه ومرورا بإحالته للمعاش , ثم تعاقده مع التربية في قسمها العالي
لتدريس اللغة العربية وعلومها في الكليات التربوية .
في المرحلة الأولى عمل مدرسا بمدرسة مكارم الأخلاق ثم عمل وكيلا بها ثم مديرا لها ثم مديرا لعدة مدارس بالقطر . ثم فضل
أن يواصل دراسته الجامعية , فتخرج من جامعة الخرطوم , قسم اللغة العربية. وعلى أثر تخرجه عمل معلما بالمدارس
الثانوية بالغيل , لكنه كلف بإشاء مدرسة ثانوية بالشحر و هي التي جعلها نصفية بسبب السعة ببنايتها ولمدة يسيرة , لكن
جهوده التربوية الصفية واللاصفية واضحة وفي مختلف المجالات .
وكان الفقيد أديبا وشاعرا مد المجلات والمحافل بعدد من القصائد التي ذبحتها قريحته . وكلن يتمتع بقدرة طيبة وبأسلوب
راقي ولغة سليمة وأفكار عميقة .
له ديوان شعر مخطوط ومحفوظ لدى أبنائه , وقد قدم بعد تريبه لوزارة الثقافة في ذلك العام الذي خصص لتكون فيه صنعاء
عاصمة للثقافة . ولم يتم طباعنه , ونخاف أن لا يعود لأصحابه ويضيع في الزحمة . وله أيضا مقالات ووأبحاث
إسلامية وتربوية ولغوية وأدبية . وكلي أمل أن تجمع هذه لتصدر في كتاب. وقد كتب عددا من المسرحيات عالجت بعض
من قضايا المجتمع , وهي تلقي نظرة فاحصة على مدى التطور المبطئ وتطرح أفكارا للحاق بركب التطور الحضاري ,
وقد عرضت المدارس البعض منها .
وتوفي رحمه الله مثل هذا اليوم في 26سبتمبر 1984.
أن من الأمور الهامة في حياة الرجل هو سعيه الحثيث لإنشاء مكتبة كبيرة بالشحر فكانت قد تحققت له أمنيته عند تأسيس ثانوية
الشحر . وقد تابع ذلك التأسيس بنفسه , حيث رفدها بأمهات الكتب والمهم من كتب الزمن الحاضر في مختلف المجلات .
وقد ظهر ذلك من خبرته وعشقه للبحت وحب القراءة والكتابة استجابة ورغبة لتنفيذ أمر الله كما جاء في محكم آياته وفي أول
آيات القرآن . وكنت قد عرفت أنه باشر بنفسه انتقاء مجموعة الكتب من المكتبات الحرة بعدن علاوة على ما قدمته الوزارة
من كتب متنوعة للمكتبة , وقد شهدنا ذلك بأنفسنا . وظل المعلمون والدارسون وهواة القراءة يرتادون المكتبة التي احتوت
على مصادر المعرفة والمرجع الهامة للباحثين والدارسين وعشاق الفكر والمعرفة . كيف لا وهي تحتوي على المعجم
اللغوي تاج العروس والموسوعي صبح الأعشى إضافة إلى تاريخ العرب الإسلامي وتاريخهم القديم مع كتب عديدة لتاريخ
المنطقة الجنوبية وعلى الأخص تاريخ حضرموت , على وجه الخصوص . وبجانب هذا وذاك الكتب الإسلامية تاريخا
وعلوما وكتب أدبية بما فيها الدواوين الشعرية والنقد الأدبي وميزان الشعر وفنونه . مع الكتب الخاصة بالمناطق وتاريخها
والكتب السياسية والأطالس والجغرافيا والمعاجم الخ .
وعلى مدى ما يقرب من نصف قرن , كانت المكتبة تؤدي جزءا طيبا مما يوكل لمثيلاتها في كل الدنيا . يساعد في ذلك
أمناء خاصين لهذه المكتبة , نذكر منهم الأساتذة سالم على العفاري , وسعيد محفوظ سعدالله , وسالم محمد باعكيم
ومحمد عبد الرحمن الملاحي وآخرون لم تسعفني ذاكرتي بأدراج أسماءهم هنا .
وكم كان حجم تقدير الناس لهذا الشيخ المشهور بلقب عائلته (( عشار )) وكان يكفي أن تبقى ذاكرة أهله وتلاميذه
حاضرة كلما كانت المكتبة التى أشادها عامرة ومزودة بالجديد من ثمرات المطابع ومنتجاتها المستمرة إلى أبد الآبدين .
فقد كان أكثر ثقافة منا نحن عيال القرن الواحد والعشرين , هؤلاء الذين نقول عنهم أنهم من مثقفي الكتب الصفراء ,
فقد حدث العكس أننا نحن الآن نعيش المرحلة الصفراء , أي الموت الزؤام .
هل منا اليوم من يعي أهمية الكتاب ووسيلة المعرفة . لا أظن ذلك , ولو كان منا من يهتم بالمكتبة والكتاب لما سعى
لتمزيق مكتبة عشار بثانوية الشحر وبعثرتها وتقسيمها أشلاء وأجزاء . وفي الوقت الذي يسعى الخلق فرادى وجماعات
لتأسيس معاقل العلم ودور الثقافة , نحطم نحن في الشحر المكتبات , ونحرقها ونمتها من أن تؤدي الواجبات التي عليها
المعتمد والأساس في الرافد الثقافي . مسكينة أنت ياشحر , أن جنكيز خان لم يمت بعد وإذا قال لك العرب أنه مات فلا
تصدق , لأننا نحن أيضا عرب وكل منا في داخله جنكيز خلن همه أولا الهدم لكل عربي ومسلم ونحن نمد له العون لتنفيد
أهدافه التي أقر فعلها من قبل أربعة عشر قرنا , ونحن مستمرين في غينا . فمن المسؤل عن ضياع مكتبة ثانوية الشحر
التي أسسها عميد الفكر والثقافة والتنوير الشيخ الأستاذ محمد عوض عشار .
كان على الآمر في الشحر مبدد المكتبة إذا كان هناك عوائق أن يجردها ويضمها للمكتبة العامة التابعة لإدارة الثقافة ,
لكن أن توهب وكأنها ملك من أملاكه لمن هب وذب , فهذا الذي لا ترضاه أبدا !
كان علينا أن نقدم دعوى حسبة على الذي باشر أو أعطى الإشارة أو سكت أو برر فعلته هذه أن يخضع لمحاكم الحسبة
لكننا عرفنا أن هذه غير واردة في تشريع بلدنا . فعلى من يقع اللوم على توزيع عناصر المكتبة على (( من يسوى
ولا يسوى )) أنها تخزن بيد فرد لا يهم ولا يهتم بالكتابة والبحث , وإذا لم يعود بالمكتبة إلى مكانها فسوف نشكل لجنة
لتعريته حتى يخشي من لا يخشي التعزير . نعم نحن نقول هل يجوز لأحد مهما كانت رتبته المدنية أو العسكرية أن يبدد
ملكيات الشعب ومقدراته , ومتى سمعنا أن مكتبة جعلت سبيلا , أنها تذكرنا بفعل أئمة اليمن الذين يستبيحون المدن
لجيوشهم لنهبها أو ما يسمى فيد .
والخلاصة أننا نضع اللوم كل اللوم على مدير التربية بالشحر السيد عمر على عبد اللي ومدير المدرسة الثانوية للبنين وكل من
علم بهذه الفضيحة وسكت عليها , ونخص بذلك كافة المعلمين بها . ونحمل مدير عام المديرية بالشحر قسما أكبر على
سكوته على الفعل الشنيع , وحسبنا الله ونعم الوكيل .
كتبه شحروت / منتدى عشاق الشحر