العربي لايعرف الأعتذار!!
قبل أشهر قليلة قدم الملك خوان كارلوس ملك إسبانيا اعتذاراً عن رحلة صيد
قام بها إلى بوتسوانا، في الوقت الذي كانت بلاده تواجه أزمة اقتصادية، وكان
الملك يمارس هوايته في صيد الفيلة حين قرر العودة إلى بلاده وتقديم
الاعتذار قائلا: «إنني آسف للغاية، لقد ارتكبت خطأ، وهذا لن يتكرر مجددًا»،
وقبله بسنوات قدم الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون اعتذاره لأسرته
وللشعب الأميركي عن فضيحته الأخلاقية فيما عرف بفضيحة مونيكا، فهل يجرأ أحد
من ساسة العرب أن يعتذر لشعبه عن أي خطأ ارتكبه؟ أو فعل قام به تجاه شعبه،
فأحدهم يقتل عشرات الألوف من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ من شعبه
ويشردهم في الآفاق ويدمر بيوتهم ومدنهم بالطائرات، وبدل أن يقدم لهم
اعتذاره عن كل تلك الجرائم، يكيل لهم الاتهامات المختلفة، كيف لا وهو
يعتبرهم مجرد «ميكروبات» لا بد من القضاء عليها، إذ إنه لا يعترف ببشرية
هؤلاء ولا بحقوقهم، بل ربما يسألهم «من أنتم؟!»، وفي أحسن الأحوال يقول لهم
«لقد فهمتكم!» دون أن يقدم لهم اعتذارا عما ارتكبه في حقهم أو حتى يبدي
أسفه عما جناه من أخطاء، لكنه يكابر ويصر على عدم الاعتذار، لقد حاولت أن
أبحث في التاريخ العربي عن اعتذار واحد قدمه سياسي عربي فلم أوفق في الحصول
على نموذج يمكن تقديمه للقارئ عن أي خطأ يرتكبه الساسة العرب حتى أولئك
الذين يصفون أنفسهم بأنهم معارضة أو من السياسيين «المنظرين!!» الذين
يجلسون خلف الميكروفونات أو الذين يحتلون شاشات التلفزيون ووسائل الاتصال
الاجتماعي، إذ يبدو أن هؤلاء أيضاً لا يعرفون الاعتذار، ويظنون أن أحدا لا
يعرف أخطاءهم وغاب عنهم أننا في عصر يتم فيه الرصد «إلكترونيا» لكل كلماتهم
وتصرفاتهم وكتاباتهم، فما يغفل عنه موقع «فيس بوك» يرصده موقع «تويتر» وما
تتغافل عنه المواقع الإلكترونية، يعرضه موقع «يوتيوب»، وإذا كان البعض
يعتمد على نسيان الناس أو غفلتهم فنحن في زمن «كشف المستور»، لقد شاهدت قبل
أيام على موقع «يوتيوب» أحد الزعماء السياسيين المعارضين العرب وهو يتحدث
عن «نزاهته» ويقسم بأغلظ الأيمان أنه لم يفعل! ولم يقل! ولم يحب! ولم
يكره!، لكن على قاعدة المثل الشعبي المصري «حبيبك يبلع لك الزلط.. وعدوك
يحسب لك الغلط» فقد رصد له خصومه بالصوت والصورة عددا من المشاهد التي تبدو
فيها مواقفه المتناقضة أو الكاذبة، وبدل أن يقدم اعتذاره عن ذلك ذهب يشن
هجوما على خصومه الذين لا يخلون هم كذلك من الأخطاء، لكن لم يترصد لهم أحدٌ
بعد ليبين تناقضاتهم وأكاذيبهم، فلماذا لا يعترف العربي -سياسيا كان أم من
عامة الناس- بأخطائه ويقدم اعتذاره لمن أخطاء في حقهم، أم أن العربي لا
يخطئ؟ إن الواقع يشير إلى أن العربي لا يقدم اعتذارا لأحد لأنه يعتبر
الاعتذار منقصة تخل بمكانته خاصة إذا كان رجلا، فثقافة الاعتذار غائبة ليس
بين السياسيين فقط بل بين عامة العرب، هل سمعتم يوما بعربي -إلا ما ندر-
قدم اعتذارا لزوجته عن خيانته لها!! أو عن إهانتها أو حتى ضربها أو وصفها
بأبشع الأوصاف أو «تعييرها» بنسبها أو بأهلها أو بفقرها أو بمكانتها
الاجتماعية أو بغير ذلك من الأخطاء التي يمكن أن تقع من كل البشر ويعتذرون
عنها إلا العربي فهو إما أنه لا يخطئ!! أو لا يعرف الاعتذار لأنه لا يعترف
بخطئه!، يستغل أحدهم التكنولوجيا ليختبئ خلف اسم وهمي وصورة وهمية وربما
أتته الجرأة ليضع اسمه وصورته ثم يحجز له موقعا في العالم الافتراضي الذي
يسمونه التواصل الاجتماعي، وبدل أن يجعله وسيلة لذلك، يحوله إلى وسيلة
للتقاطع الاجتماعي فيشتم ويسب ويحقّر كل من اختلف معه في الرأي أو المواطنة
أو الطائفة أو الثقافة أو العرق، دون مراعاة لحقوق الناس أو أعراضهم أو
مكانتهم، ولا يسلم منه فرد أو هيئة أو مجتمع إلا من حالت التكنولوجيا بينه
وبينهم، وحين يكتشف خطأه في حق الآخرين، لا يعرف الاعتذار إليه طريقا بل
ربما أصر على ما هو عليه لأنه لم يتعود أن يعتذر لمن أساء إليه أو أنه يظن
أنه عربي لا يخطئ!! يقع حادث في الطريق يتضح منه أن أحدهم دخل إلى الشارع
العام من شارع فرعي دون أن يتوقف كما تفرض أنظمة المرور، وبدل أن يعتذر من
الطرف الآخر يصر إلا أنه لم يخطئ وربما رفع صوته أو يده على صاحب السيارة
الأخرى، وحين تأتي الشرطة وتخبره بأنه المخطئ يتعالى مرة أخرى ويلتزم
بإصلاح سيارة خصمه لكنه لا يقدم ما هو أقل من ذلك وهو الاعتذار عن خطئه أو
إساءته لأنه يرى أن الاعتذار عجز أو ضعف، والعربي ليس بعاجز ولا ضعيف لذا
فهو لا يعتذر!! فلماذا لا يعتذر العربي؟ هل هي ثقافتنا القائمة على
الاعتزاز بالذات؟ أم هي وسائل تربيتنا التي لا تزرع فينا صغارا أن الاعتذار
قوة وليس ضعفا؟ أم هي وسائل إعلامنا التي «تنفخ» فينا لأننا نستطيع أن
نملك ما نريد ونفعل ما نريد فنحن «غير»، فكل شيء مسخر لنا، ولا يليق بهذا
الـ «غير» أن يعتذر فذلك ضعف لا يليق به بل يليق بالآخرين الذين هم ليسوا
«غير»!!، إن من يلتفت حوله في مجتمعاتنا يجد صورا شتى من غياب «ثقافة
الاعتذار» التي تحول بيننا وبين القيم الرفيعة التي تسود المجتمعات
المتحضرة، وذلك تقصير يتطلب أن نعتذر عنه!!
د:سعيد حارب