ما من كتاب معاصر أرّخ
لعدواة الثقافة الغربية للإسلام مثلما فعل كتاب "أوهام الغرب عن الإسلام".
فبفضله اعاد الدكتور محمد رضوان تلك العداوة الى أصولها ومنابعها الأولى.
ومنها انطلق ليرسم معالم حوار وتفاهم ما يزال، من وجهة نظر المؤلف، ممكنا.
ولسوف يندهش قارئ هذا الكتاب الى الحقيقة القائلة ان تلك العداوة لم تكن
دينية، أو سياسية استعمارية فحسب، ولكنها كانت عداوة ثقافية أيضا تتأصل
برؤية الغرب الى نفسه، وليس بالضرورة بسبب ما إذا كان الإسلام نفسه يشكل
تهديدا فعليا.
لم يستطع الغرب، وهو ينظر الى نفسه في المرآة، إلا أن يتخذ من "آخر" عدوا.
وكان من سوء حظ التاريخ والجغرافيا أن كان الإسلام هو ذلك الآخر، الذي،
بالموقف منه، يحدد الغرب هويته وصورته أمام نفسه.
بمعنى آخر، فمن دون عدو، لم يكن للغرب أن يعرف نفسه. انه غرب لانه معادي
للإسلام. وهو غرب لانه ينظر الى الإسلام نظرة احتقار وتشويه. وهو غرب يقول
انه ديمقراطي ويتبنى قيما اجتماعية متقدمة، لانه يعتبر الاسلام دين تعسف
وتخلف. ولكنه غرب يمارس كل همجية ممكنة ضد المسلمين، لانه يعتقد ان
الاسلام نفسه هو دين عنف وهمجية، وان تحديه ومواجهة مخاطره والرد عليه لا
يكون إلا بهذه الطريقة.
وهنا يقول المؤلف ان "الإسلام يخضع لرؤية تكاد تكون ثابتة في الذهنية
الثقافية الغربية، وتنم هذه الرؤية عن موقف تاريخي معادي تجاه الإسلام
والمسلمين، وعن هذه الرؤية، الثابتة والمتغيرة ضمن الموقف ذاته، تتداعى
العديد من الصور والتمثلات والمقولات عن الشرق الإسلامي والثقافة والحضارة
الإسلامية. لكن ما يميز رؤية أوروبا المسيحية في القرون الوسطى، وأوروبا
النهضة في عصر الأنوار، أنها تصدر عن كيان سعى دوما إلى تحديد هويته
ومرجعيته و"أناه" في مقابل "الغير" أو "الآخر" ، الذي كان في معظم مراحل
التاريخ يتمثل بالنسبة للمسيحيين في "الشرق" ، أو "العالم الإسلامي" بصفة
عامة".
عداء الغرب للإسلام، إذن، أصيل وجذري الى درجة انه لا ينتسب الى منازعات
فكرية أو مجادلات دينية تكاد تكون طبيعية (أو ربما غير طبيعية) بين
ديانتين متجاورتين جغرافيا، ولكنها تنتسب الى الثقافة برمتها، والى الأدب
في هذه الثقافة بالذات.
ويقول المؤلف إن موقف الغرب التاريخي من العالم الإسلامي انبنى "على أساس
ديني لعبت فيه الكنيسة المسيحية دورا حيويا في سعيها إلى محاربة الإسلام
وتهميشه وتضييق دائرة انتشاره عبر العالم". وفي المقابل، "لم يخل التراث
الأدبي والفني الأوروبي من كثير من هذه الأحكام والمواقف المعادية
للإسلام، والمناهضة لثقافته، والجاحدة لعطاءاته الحضارية والإنسانية،
فانتقلت عبر هذا التراث كثير من الصور النمطية السلبية المشوهة عن شخصية
العربي، وطباع المسلم". وجاء الاستشراق ليكمل ما بدأته الكنيسة بسعيه الى
"إنتاج سلسلة من الأفكار المريبة عن أصالة الثقافة الإسلامية وحقيقة
إسهامها في الحضارة الإنسانية".ويغطي الكتاب شواهد كثيرة على حجته المتعلقة بأصالة العداء الغربي
للإسلام. وهو استند الى اصول ثقافية جذرية ما تزال تمارس أثرها الضمني،
المباشر وغير المباشر، على نظرة الغرب للإسلام وعلى السياسات التي يتبعها
حيال المسلمين.وانطلاقا من عنف الموقف ضد الإسلام، فان الكتاب يشكك بالرواية الرسمية
لاحداث 11 سبتمبر ويعتبر انها كانت مدخلا، او ذريعة، لاتمام ما عجزت
الحروب الصليبية عن اتمامه. ويقول المؤلف ان تلك الأحداث كانت "المناسبة
التي تفجرت فيها المشاعر وتكشفت فيها المواقف والرؤى ذات الخلفيات
والأبعاد التاريخية والدينية والحضارية بين الغرب والعالم الإسلامي". كما
انها "مثلت مدخلا لإعادة صياغة العديد من السياسات الدبلوماسية والأمنية
والعسكرية، وحتى الثقافية، تجاه العالم الإسلامي".
ل
ن يمكن، من دون هذا الكتاب، معرفة الأسس التي تنطلق منها العدواة الغربية للإسلام. ولن يمكن بالتالي معرفة السبل لمواجهتها.والمؤلف من مواليد المغرب عام 1964 ويحمل شهادة دكتوراة الدولة في العلوم
السياسية من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار
البيضاء. ويشكل كتابه هذا الثالث بعد "المبادئ العامة للقانون الدولي
الإنساني، والعدالة الدولية" الذي صدر عن دار النشر إفريقيا الشرق، الدار
البيضاء عام 2010. وكتاب "منازعات الحدود في العالم العربي"، الذي صدر عن
الدار ذاتها عام 2000. وللمؤلف العديد من المقالات والدراسات العلمية التي
نشرت في العديد من المجلات والصحف المغربية والعربية. المصدر/الناشر العربي الأول للكتب