رحال عضو ذهبي
البلد : الشحر تاريخ التسجيل : 15/06/2012 عدد المساهمات : 1262 نقاط : 11166 السٌّمعَة : 0
| موضوع: دراسة تاريخية لغوية في أسماء بعض المدن والأماكن : تسمية الزهرة وعلاقتها بالديانات القديمة الحلقة الثالثة : الجمعة سبتمبر 13, 2013 6:39 pm | |
| دراسة تاريخية لغوية في أسماء بعض المدن والأماكن الزهرة كانت مركزاً لعبادة الإله" عثتر" في الديانة السامية القديمة الفُل شجرة مقدسة في تهامة ارتبطت بعبادة الإله (زهر) في بيت الفقيه. على علم الآثار التركيز في تهامة للكشف عن المعابد القديمة علي مغربي الأهدل • الحلقة الثالثة • تسمية الزهرة وعلاقتها بالديانات القديمة : سبقت الإشارة إلى أن المؤرخين الذين نسبوا تأسيس مدينة الزهرة إلى الشريف حمود المشهور بأبي مسمار ذكروا أيضاً أنه هو من أطلق عليها اسم (الزهرة) نسبة إلى كوكب الزهرة دون أن يذكروا السبب الذي حمله إلى نسبتها إلى هذا الكوكب وعلى الرغم من ذلك فإن هذا القول يدل فعلاً إلى أن هناك صدى وأثراً في الثقافة آنذاك يشير إلى ارتباط الاسم الزهرة بكوكب الزهرة ، ولكن كيف جاء هذا الارتباط أو العلاقة بين الاسم والكوكب بالنظر في تاريخ العبادة التي مارسها قدماء اليمنيين كغيرهم من الشعوب السامية الشمالية نجد أن هناك آلهة تجسدها أجرام سماوية تتمثل في (الشمس ، والقمر ، والزهرة) التي كانوا يقيمون لها المعابد التي تسمى باسمها (1). والملاحظ أن اسم المعبود (القمر) ورد في النقوش اليمنية بتسميات مختلفة حيث يطلق عليه (ألمقه) عند السبئيين و (ود) عند المعنيين ، و(عم) عند القتبانيين ،و (سين) عند الحضرميين ،و (تألب) عند قبائل همدان وفي كندة عرف باسم (ك هـ ل). أما الزهرة فقد وردت باسم ( عثتر) عند كل قدماء اليمنيين ، ويذكر الدارسون أنه المعبود الأقدم والأساسي الذي عبدته كل الشعوب السامية في جنوب شبة الجزيرة وشمالها تحت اسم واحد (ع ث ت ر) (2) ولا شك أن منطقة تهامة مارست في تاريخها القديم عبادة هذا الثالوث الكوكبي( الشمس، القمر، الزهرة) وفيما يتعلق بالقمر فإننا نجده في منطقة تهامة بلفظ واحد هو (شهر) ولكن هذا الفظ يشير إلى دلالتين في الوقت نفسه الأولى: إلى عدد أيام الشهر وفي هذا تشترك معها جميع الشعوب ، والثانية : أن تسمية أو كلمة (شهر) تعني اسم القمر نفسه ولهذا لا يوجد في الثقافة اللغوية التهامية أي مرادف لهذا الاسم سوى كلمة( قمر) وهي تسمية فصيحة ولا ينطقها سوى المتعلمين والمثقفين من الناس ، وإذا تأملنا المفردة ( شهر) من ناحية لغوية ، وقارناها مع كلمة (سهرة) الواردة في النقوش سنجد أن (سهرة) مؤنث اللفظ ( سهر) وأن السين والشين من الحروف التي تتبادل المواقع فيما بينهما في اللغات واللهجات مثل ( شمش ، وشمس) و( عطس ، وعطش) في اللهجة التهامية ، و( شمو ، وسمو) فيما بين العربية الجنوبية والسامية الشمالية وغير ذلك . وإذا كانت ( سهرة) هي الصيغة المؤنثة للفظ ( سهر) المذكر وإذا علمنا أيضاً أن السين والزاي من الحروف التي تتبادل المواقع في الكلمة العربية نفسها مثل ( سقر ، زقر) وفي كلمة (الصقر) التي وردت في لغة العرب بهذه الصيغ الثلاث ، وسلمنا في الوقت نفسه أن اللفظ (سهرة) الوارد في النقوش يدل كما أشار الكثير إلى أن المراد به هو أرض وقبيلة في تهامة هي ( الزهرة) فسنستنتج الآتي:ـ 1) أن الزهرة اسم المكان الباقي إلى اليوم في شمال تهامة والذي كان مركزاً للقبيلة والأرض التابعة لها ، يدل أن المدينة قديمة جداً وأنها ربما كانت موقعاً لمعبد الإله الكوكب ( الزهرة) أو (عثتر) كما يذهب الكثير منذ ما فبل هجرة الشعوب السامية . 2) أن هذا يؤكد ارتباط الشعوب السامية بالمنطقة لأنها حملت معها هذا المعتقد الديني منذ هجرتها الأولى من المنطقة باتجاه الشمال بدليل أن الدارسين يؤكدون أن الإله (عثتر) أو (الزهرة) من أقدم المعبودات حيث تشترك في عبادته جميع الشعوب السامية . 3) أن الإله (شهر أو سهر) الذي مؤنثه (سهرة) والتي تحولت بإبدال السين ( زاياً) إلى (زهرة ، الزهرة) وهذا الإبدال أمر طبيعي ومعروف في اللغة ربما كان ينطق أيضاً عند البعض في تهامة ( زهر) ، وأنهم كانوا يقصدون أو يعتقدون أن ( سهر وسهرة) كانا أخوين أو ابنين) للإله ( الشمس) . • الفل شجرة الالهة وعطر تهامة السماوي ما يدل أن ( شهر ، وسهر) نطق أيضاً ( زهر ) وأن كلمة زهر تعني القمر هو أن كلمة الأزهر في اللغة تعني : النير (( ويسمى القمر الأزهر ، والأزهران : الشمس والقمر ، ورجل أزهر أي مشرق الوجه والمرأة زهراء)) (3) . والذي يبدو أن مركز عبادة الإله (زَهر) كان في وسط تهامة ( منطقة بيت الفقيه) وهذه المنطقة بالذات نجد أنها ارتبطت بزراعة نبتة الفل العطرية ، كما أن أهل المنطقة الوحيدون الذين يطلقون على زهر هذه الشجرة كلمة (زهر) في حين أن هذه الكلمة في غير منطقة تهامة تعني مطلق الزهور وحين يراد تحديد نوع الزهرة تضاف إلى اسم بعدها يعرف النوع مثل زهر الخزام ، زهر .... الخ أما في منطقة بيت الفقيه مركز زراعة الفل بتهامة يطلق عليه ( زهر) أي أن هذه الكلمة هي اسمه القديم وربما تعني نور الإله ( زهر ) الذي هو أحد الصيغ اللفظية المبدلة من ( شهر) وإلى جانب هذا هناك أسماء أماكن تحمل اسم الإله مثل (أبو زهر و(الزاهر) و الزهيرية ومزهر) وقبائل عريقة بالمنطقة ارتبطت بالاسم أيضاَ مثل: المزاهرة ، والزهيري ، وبني زاهر أي زهر بصيغة المبالغة . وما يؤكد فعلاً أن شجرة الفل (الزهر) نبتة مقدسة وأن مرتبطة بعبادة الآلهة ذلك الوصف الدقيق الذي أورده المؤرخون والرحالة اليونان عند وصفهم للساحل الشرقي المحاذي للبحر الأحمر من جهة الجنوب ( تهامة) فهذا ( ديودوروس الصقلي 80 ــ 30)ق.م يذكر أن الأرض المحاذية للساحل " يفوح منها أريج عطر سماوي كأنه من فعل الآلهة حيث خصص الفقرة رقم (46) كاملة للحديث عن هذه النبتة السماوية الواقعة ضمن أرض ( كارب (Carbaeالتي فسرها الكثير بأنها إحدى القبائل التي كانت تقطن ساحل تهامة (4) والتي يعتقد الباحث أنها "الجروبة" وذلك بقوله (ويفوح من هذه الأرض أريج عطر طبيعي يملأ جو هذه البلاد ... ونبات معين آخر ذو طبيعة خاصة به ، فعندما يكون غضاً حديث القطاف فانه مسراً ومغرياً للناظر إليه بجماله ، ولكن عند الاحتفاظ به لوقت معين فإنه يشرع في الذبول ،... إذ ينبعث من تلك البلاد أريج عطر سماوي تعجز قوة الكلمات عن وصف عبقه الذي يحيي الأنوف ويحرك حواس كل إنسان ويثيرها ، بل أن أولئك المبحرين بعيداً عن الساحل لا يحرمون من حصة الاستمتاع بعبق ذلك الأريج ... وهكذا أولئك الذين يتشاطرون بالعطر الفريد بأنهم يتمتعون بطعام الإلهة الذي ترويه الأساطير ، ونظراً لاستعذابهم لرائحته العطرة المفرطة فإنهم لم يجدوا اسماً يناسبه أو يستحقه (5) ولعل تسمية الفل في تهامة بكلمة (زهر) دون تخصيصه أو إضافته هي ما جعلت ديودوروس الصقلي يذكر أنهم لم يجدوا له اسماً يناسبه ولكن من خلال المقارنات السابقة يبدو أنهم أطلقوا عليه اسم الإله نفسه (زهر) الذي هو شهر أو القمر بالمفهوم اللغوي ، فكما أن شهر تحمل دلالتين عدد أيام الشهر واسم القمر نفسه ، فكذلك زهر حملت دلالتين الأولى اسم القمر ثم النبتة العطرية المرتبطة به ، والثانية أن كلمة زهر تطلق على أي زهر آخر من الأزهار وهنا لا يحدد المعنى إلا بإضافة اللفظ إلى اسم الشجرة أما ما يعرف اليوم بالفل ففعلاً لم يجد له القدماء اسماً سوى اسم الإله زهر باعتباره لون هذا الإله أو طعامه كما تروي الأساطير التي كانت متداولة قبل 2000 سنة من الآن. كما نجد أن من خصوصيات المنطقة تسمية الإناث بــ " زهرة" ومن هنا يمكن القول أنه إذا كانت الزهرة ( المدينة) أو المنطقة تمثل في الزمن الأقدم مركزاً لعبادة الزهرة النجم فهذا يفتح الأذهان حول الكثير من أسماء الأماكن في تهامة وبخاصة التي تحمل أسماء آلهة قديمة مثل الإله أو المعبود ( الشعرا ، حمن، سهر أو زهر ، السهرة أو الزهرة) فإننا إلى جانب أننا نجد هذه الأسماء هي معبودات نجد في الوقت نفسه أن هناك أسماء أماكن في تهامة تماثل هذه الأسماء في مناطق مختلفة مثل حمنه في حيس والشعرا شرق بيت الفقيه وفي جيزان ، وكذلك منطقة الزاهر ، والزهرة فهل هذه الأماكن كانت مراكز عبادات ( معابد) لهذه الآلهة القديمة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1) الجرو ، أسمهان سعيد ، الديانة عند قدماء اليمنيين ، مجلة دراسات يمنية ، العدد (48) ، صــ 326. 2) المصدر نفسه ، صــ 328. 3) الرازي ، أبو بكر ، مختار الصححاح ، مادة (زهر). 4) الأدهم، عبد اللطيف ، مختارات ، ضمن كتاب بلاد اليمن في المصادر الكلاسيكية ، وزارة الثقافة والسياحة ، صنعاء ، 2001، صــ 132. 5) العبادي ، أحمد صالح محمد ، اليمن في المصادر اليونانية والرومانية، 450 ق.م ــ 100م ، وزارة الثقافة والسياحة ، صنعاء ، 2004م ، صـــ167 ــ170 | |
|