مقامة المؤرخ الشاعر
عبد الله بن محمد باحسن جمل الليل العلوي المسماة (( متاعب الأسفار في رحلتي إلى
جزيرة زنجبار )) : منسل من كتاب : نشر النفحات المسكية في أخبار الشحر المحمية
للعلامة عبد الله باحسن جمل الليل ..
دراسة وتحقيق د . محمد يسلم عبد النور , ط1 , 2010م تريم للدراسات والنشر , ص 10 -
12 ... يقول باحسن :
(( قال بو عيدروس ,
مر علينا وقت عبوس ومنحوس , ونحن في الشحر جلوس , فعزمت ان أسافر وأجاهد , عملا
بنصيحة من قال أن في الأسفار خمس فوائد , فسافرت من الشحر مهجوج مرجوج , من باطل
باقلاقل وظلم دحروج , وتوجهت إلى جزيرة زنجبار , في احدي السواعي الكبار , وقلت :
الله يقدر مافيه الصالح ويختار , فوصلنا الجزيرة بعد سفرة شاقة ومريرة , وقد خفف
عنا وعثاء السفر , ماشاهدناه من جمال الأشجار والزهر , فقلنا هذا الذي يسر الخاطر
, وهنا مناجم الذهب والفضة والجواهر , وقصدت عند أخ كريم من نسل كرام , بعيد عن
طبع اللئام , وينفق في سبيل الخير بدون حد أو قيد , الشهم الزعيم سعيد عبود حميد ,
رئيس الجالية الحضرمية , والمتصدر لكل حال وقضية , فرحب بي أجل ترحيب , ولا غرو
فإنه ملاذ المحتاج الغريب , وكان من الرجال الشقاة , المذخرين للملمات , انما
الواجب على ذوي الحاجات , ان يخففوا على اهل المرواءت فحكيت له واقع الحال , وطلبت
منه ان يرشد اخاه الضال , الذي ثقلت عليه في الشحر مطالب الدار والعيال , ولك يقدر
على نكد الدنيا بحال من الأحوال , وبعد وصولي إلى الجزيرة بأربعة أيام , رأيت أن قد
طال بي فيها المقام , فأعربت عن رغبتي في البحث عن عمل , لأبعد عن نفسي العجز
والكسل , ونسعى خلف الرزق الحلال , وعلى الله الوكل , فسألني عما إذا كنت من رجال
التجارة والأعمال والدلالة , فأجبته انه لم يسبق لي الوزانة ولا الكيالة , ولست لي
في التجارة معرفة ولا رغبة ولا آلة , وانما انا من طلبة العلم والتعليم , وعلى الأشعار
والألحان مخيم ومقيم , فقال التعليم المطلوب هنا هو لغة الانجليز , وخلفه تجري الناس
بدون تمييز , وهو الوزن والقافية , اما اللغة العربية فكأنها في نظر الناس
المحليين أعجاز نخل خاوية , فقلت نسأل الله العفو والعافية ..
ولم ينجح باحسن في
الحصول على عمل مناسب في زنجبار فقرر العودة إلى الشحر ويقول :
فطفقت اترقب وقت
الذهاب , قانعاً من الغنيمة بالإياب , وبئس بمعيان الرواشح وتفجيره ... وغلي الشب بتكسيره
, وان كأنه الاعتق الحلوق , وخياطة الشعوق , وكساء المحارم والأولاد الصغار , فهذه
امور متيسرة في الشحر ولا عليها غبار , والله بايستر على قل الضمار , فالشحر فيها
حسن المنقلب وفيها الأسمار والطرب , وبين الدفوف والمداريف والاوتار , وحنة الهاجر
باغبار , مع الأخوان الأخيار أهل الصمل والدرق والشفار , وخاصة في ليالي القمر
السيار , حيث تحلو المجالسة , والأحاديث المفيدة المؤانسة , وتكفينا في الشحر
العصيد ولو بدون مديد , وحرفوف الخبز على مالح او حنيد , وقد قال صاحب العلم
والمكرمة , سيدنا الشيخ عمر بن عبد الله بامخرمة , ما نبا الهند لو تمطر علينا
بفضة , ما نبا الا الوطن لو عضنا الجوع عضة , فالعزيز من عزته بلاده وعزها ,
والمستفيد من اعتنى بنخلته ثن وقت الخرفة قام الى جذعها وهزها وحصنها وزرعها وأمنها
, ولا تدوم لك إلا أرضك , وهي ساترة عارك وعرضك , بلاد الغير زينتها لأهلها , وهي
لهم بحرثها ونسلها , فنونها ماهي فنونك , وايش لك في المديني يا مشنق عيونك , ولنا
في الله وفي مستقبل الأيام حسن الظنون , والخير والسعادة للمبخوسين مسهون , ولا
تدوم شدة , ولا الحالة النكدة , وماضاقت الا وتفرجت , وما أظلمت الا وتجلت ونورت ,
ولله در من قال , ورجال في حلبة الصدق وصال , بلادي وان جارت علي عزيزة , واهلها
وان شحو علي كرام , فاسمع يا أخي كلامي واهتم به , ولا تكن اول كافر به , ونعمت
ارض اليمن ذات الأفضال على العرب والمنن ذات التاريخ المجيد , والمجيد التليد ,
التي لولا جهل القائمين على أمرها وتصرفهم الفاضح , وارتكابهم في حق الرعية كل
القبائح وعدم استماعهم للقول السديد الناصح , لكان الخير فيها لرأسه طارح , ويكفي
المزارع والشارح , والطير الفار والبارح , والبهائم ماكان مربوط او سارح , وإذا
نظرنا الى حويلنا , وفحصنا تليدنا وذخيلنا , وجدنا عامر كما صاحبه , ماصابهم صابه
, كامنهم من اجل مصلحته يحارب , ام الرعية فتاركين حبلها على الغارب .. )) .
كتبها
الكترونيا انور السكوتي .