أهمية الرسالة الخطأ
هنا حضرموت / د. عبدالقادر باعيسى
الأربعاء 6 مارس 2013
لم يكن ما جرى في عدن يوم الخميس 21 فبراير 2013م وما تلاه من أيام في عدن والمكلا وغيرها من مدن الجنوب وليد الصدفة، فذلك ما درجت عليه سلطات صنعاء في رسائلها العنيفة الموجهة نحو الجنوب ونضاله السلمي، غير أن المهم ليس إرسال هذه الرسالة الجديدة، بل المهم كيف استقبلها شعب الجنوب؟ وكيف قرأها؟ وما الذي ترتب عليها من نتائج؟ هذه الناحية لم يفكر فيها مرسلو تلك الرسالة، ولم ينظروا إلا إلى نتيجة واحدة فقط، تخصهم وحدهم، وهي أنها ستسكت صوت الجنوب أو ستضعفه في الأقل.
ردة الفعل على هذه الرسالة كانت أهم من الرسالة نفسها التي دلت على عقلية النظام وطريقة تفكيره، فكم تكون مثل هذه الرسائل السيئة مفيدة حين يرسلها خصم منفعل في ظرف مهم ليجعلك أكثر صلابة وتماسكا فوق ما أنت فيه برغم ما تحدثه فيك من قتل وجراح.
أججت الرسالة عصيانا مدنيا ونزوعا للاستقلال وصل حد الإطلاق تداولته أسماع العالم عبر وكالات الأنباء والقنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي عبر الانترنت، فدل على أن الرسالة انقلبت على صاحبها، ولم تكن لصالحه وهو يندفع في قمعه وقتله غير المبرر، أراد بفعله الدموي أن يختزل كل شيء لصالحه وفي لحظة واحدة حاسمة، فانقلب السحر عليه لينتبه العالم أكثر إلى قضية الجنوب وتزداد لحمة الوجدان الشعبي.
دلت الرسالة على ارتباك يعيشه النظام إذ عزز بفعلته تلك وضع الجنوب، وخدم استقلاله، وكثيرا ما يسدي إليك عدو جاهل خدمة لا تقدر بأبهض الأثمان. وكان الإصرار على الاحتفاء بتنصيب رئيس الجمهورية في عدن دون غيرها من المدن رسالة أخرى خطأ في المكان الخطأ والوقت الخطأ، ولن تمر مثل هذه الرسالة وغيرها على شعب يقرأ جيدا، ولديه خبرة طويلة في قراءة مثل هذه الرسائل وأمام عتاة عالميين أكبر وأشد دهاء كبريطانيا العظمى.
كم من نقاط مضيئة سجلت لصالح الجنوبيين من خلال هذه الرسالة، سجلتها دماؤهم وأرواحهم في مسيراتهم السلمية، وماذا سجل للنظام غير نقاط إعلامية كاذبة ووهمية سرعان ما تتلاشى، فما يرسخ على الأرض وفي ذاكرة الأجيال الجديدة شيء مختلف أعمق بكثير، وأي آفاق يمكن أن تستشرف مستقبلا لصالح النظام من هذا القتل؟ النظام الذي لا يعدو أن يكون -مهما علت قوته- مجموعة من الأفراد تنهار أمام كتلة الشعب وصلابته، ودع عنك قوة الآلة العسكرية إذا غضب الشعب كل الشعب.
رسالتهم العنيفة الأخيرة وكل الرسائل السابقة أفصحت أن الجنوب ليس منهم، أنه منفصل عنهم حقا، هذا ما قرروه هم بفعلهم، ما قررته رسائلهم الدموية الموجهة ضده، وبعد كل رسالة من هذا القبيل كم يتوحد الناس، كم يلتقون، كم يتعاطفون، وكم تعيد هذه الرسائل الخطأ صناعة لحمتهم حيث يسير إيمانهم بوجودهم وقضيتهم على حد سواء …
(نشر في صحيفة شبام بتاريخ 6/3/2013م)