الآن الآن.. وليس غدا! بقلم احمد عمر بن فريد

الآن الآن.. وليس غدا!

منقول عن عدن الغد
بقلم احمد عمر بن فريد


الأربعاء 13 مارس 2013 11:24 مساءً
في تقديري الشخصي أن "قضية الجنوب" حققت خلال الأشهر
القليلة الماضية قفزات نوعية كبيرة على الصعيد السياسي لم تتحقق لها من
قبل منذ انطلاقتها المباركة يوم 7 / 7 / 2007م, ويعتبر لقاء الرياض الذي
انعقد في "المقر الرسمي" للأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي برئاسة
الدكتور الزياني شخصيا, المنعطف الأول فيما نتحدث بشأنه, كما أن النقلة
النوعية الأخرى المكملة للأولى وإن كانت ذات بعد دولي تتمثل في "لقاء دبي"
الذي يمكن اعتباره أول اجتماع رسمي للهيئة الدولية بالطرف الجنوبي منذ عام
1994م!.. وبغض النظر عن دواعي الاجتماعين من حيث كونهما يصبان في
المحاولات المبذولة على المستويين الإقليمي والدولي للدفع بالجنوبيين
للمشاركة فيما يسمى بـ"مؤتمر الحوار الوطني" المزمع عقده خلال الأيام
القليلة القادمة, إلا أن تلك اللقاءات حملت اعترافا رسميا بالطرف الجنوبي
وقضيته السياسية من قبل مؤسستين كبيرتين!!.


الأكيد في الأمر.. أن جميع الأطراف الجنوبية التي شاركت في
اللقائين كانت على مستوى المسئولية, وتمكنت من طرح "قضية الجنوب" على
الطرف المستضيف بأسلوب راق وحضاري دون تفريط أو تهاون, بل يمكن القول إنها
تمكنت من تحويل مسار تلك اللقاءات من محاولات لحث الجنوبيين على التوجه
إلى "بيت الطاعة" في صنعاء إلى مضمار ماراثوني للحديث بإسهاب عن جوهر قضية
الجنوب وتداعياتها. ما حقق لنا في نهاية المطاف نوعا لا يستهان به من
التعاطف والتفهم الدولي للقضية بأبعادها السياسية والقانونية والأخلاقية
والإنسانية إضافة إلى التعرف على "الهوية الجنوبية" عن قرب من خلال
المقابلة الشخصية بما يعنيه ذلك من رصد للفروقات المتعلقة بالهوية
والثقافة ما بين صنعاء وعدن. ومن جانب آخر لا يمكن التقليل من أهمية ما
تحقق للقضية نتيجة لمثل تلك اللقاءات على الصعيد الإعلامي, كون الحدثين
"أرغما" مختلف وسائل الإعلام على تحويل كاميراتها إلى الطرف الجنوبي الذي
عانى الأمرين خلال المراحل الماضية من التعتيم الإعلامي المسيس!.


المشكلة أننا نخلط ما بين مفهوم "مؤتمر الحوار الرسمي"..
ومجرد اللقاء مع أطراف من خارج منظومة الاحتلال, لا يمكن أن يترتب على
الدخول والخروج منها أي التزامات من أي نوع كان, ويعترف صاحب المقالة أنه
قد التبس عليه مثل هذا الخلط أكثر من مرة, إضافة إلى ما استقر في أذهاننا
وتراكم من شكوك وأوهام لا تستقيم مع أي تفسير منطقي أو أي قراءة سياسية
سليمة, فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نذهب إلى حد القول إن في هذا
اللقاء أو ذاك "فخا سياسيا" منصوبا، وعلينا أن نحذر منه ونتحاشى الدخول
فيه! أو أن الذهاب هنا أو هناك يمكن أن يمثل "ورطة حقيقية" لا يمكن لمن
يدخل فيها أن يخرج منها سليما متعافيا على صعيد النقاء الوطني إن جاز
التعبير!.. وإن نحن آمنا بمثل هذا المنطق الحذر حد "التكلس والتقوقع"
خوفا من الأفخاخ السياسية والمطبات والحفر والمزالق والألغام، كما يحلو
لنا أن نقول في مثل هذه الظروف, فإن ذلك يعني أننا نصرف قضيتنا في تعريفها
إلى ما يشبه "الفأر" الذي ما إن يدخل قفصا ويغلق عليه, إلا وانتهت حريته
وأصبحت حياته رهنا بمن أوقعه في ذلك القفص!!.. القضية ليست هكذا تماما, بل
إن مثل هذا التصوير السطحي يرفضه المنطق السياسي جملة وتفصيلا، كما يرفض
التسليم به "العاقل الصغير" قبل "الداهية الكبير"!.


لكن الذهاب إلى ما يسمى بـ"مؤتمر الحوار الوطني" يرقى إلى
مرتبة الخطيئة الوطنية الكاملة الأركان على اعتبار أنه يضع حدا واضحا
ودقيقا لمسار قضية الجنوب، وفقا لآليات الحوار حول القضية من بدايتها حتى
النهاية, أي أن الطرف الشمالي في ما يسمى بـ"اللجنة الفنية للحوار" قد
أحكم جميع المنافذ والأبواب التي يمكن من خلالها للمفاوض الجنوبي أن يحقق
هدف التحرير والاستقلال أو حتى الرجوع إلى شعب الجنوب لتقرير مصيره.
واكتفى عضو اللجنة الفنية بالقول بعد أن أحكم الإغلاق بطريقة ظنها ذكية
فبدت غبية: السقف مفتوح.. قولوا ما تشاؤون واطرحوا ما تريدون طرحه, لأننا
نعلم تماما أن ذلك لن يتجاوز حدود الكلام. وهذا هو الفرق بين أن تذهب إلى
"حوار" ملزم ومحكم الشروط والآليات ومع خصمك السياسي وبين أن تذهب إلى
لقاء إقليمي أو دولي يعتبر فرصة لكي تطرح وجهة نظرك بكل حرية دون أن يترتب
على ذلك أي التزام سياسي.


المهم في الأمر.. أن جميع الأطراف الجنوبية الفاعلة حددت
مواقف واضحة وجلية تجاه قضية الجنوب, وهي مواقف متطابقة بالكامل مع
"الإرادة الوطنية" لشعب الجنوب العظيم في التحرير والاستقلال, وتخلت عن
جميع المشاريع التي طرحت من قبل وكانت سببا رئيسيا في عدم تحقيق أي لحمة
أو وحدة أو اصطفاف سياسي لمختلف القوى الجنوبية, على أساس أن تحديد
"الثوابت الوطنية" كان شرطا موضوعيا لوحدة القيادة, أما وقد تحقق ذلك فإني
لا أرى بعد اليوم أي مبرر أو ذريعة تمنع مختلف القوى الجنوبية من تحقيق
هذا الهدف السياسي الهام جدا والمتمثل في وحدة القيادة السياسية للظهور
بها أمام العالم أجمع بموقف واحد وقيادة موحدة, وهي فرصة تاريخية تتوفر
ظروفها الآن كما لم تتوفر في أي مرحلة أو محطة سياسية في تاريخ الجنوب
سواء قبل الوحدة أو بعدها أو حتى في مرحلة ما قبل الاستقلال من الاحتلال
البريطاني.


إن هذا الاستحقاق الوطني العزيز, تلزمه إرادة سياسية قوية,
وشعور كبير بالمسئولية, وتقدير دقيق لقيمة هذا الهدف وضرورته في هذه
المرحلة على وجه التحديد, ولا أعتقد أنه من المنطقي أن ننتظر "جهدا
دبلوماسيا" من الدول الإقليمية أو المجتمع الدولي لكي يقوم هو بترتيب هذا
الاصطفاف الجنوبي! فلا بأس أن نحصل على تسهيلات لهذا اللقاء التاريخي, دون
أن تترتب على ذلك أي شروط محددة أو خلط للأوراق.. إنها وظيفتنا نحن أهل
الدار، ونحن المعنيون بترتيب بيتنا الداخلي دون أن يفرض علينا أحد أيا كان
كيف يمكن أن يكون هذا الترتيب في البيت الجنوبي. لكن هذا الأمر يحتاج أن
نقوم به الآن وليس غدا.


وفي الختام علينا أن نقر أن جميع هذه الانتصارات السياسية
الكبيرة التي تحققت لنا كجنوبيين تعود – بعد الله سبحانه وتعالى – إلى
تضحيات هذا الشعب العظيم الذي نفتخر والله أننا جزء منه, كما تعود أيضا
إلى ثبات الكثير من القيادات على مواقفها الوطنية دون أن تتزحزح عنها قيد
أنملة، وأخص هنا الأخ الرئيس علي سالم البيض وجميع قيادات الداخل بلا
استثناء وخاصة الزعيم باعوم, وفي جانب آخر ما كنا نود والله أن تتسرع بعض
القوى الجنوبية نحو "الهرولة السريعة" إلى ما يسمى بـ"مؤتمر الحوار
الوطني" ولا نعلم في حقيقية الأمر ما هي الأسباب والدوافع التي جعلتها
تذهب إلى ذلك الحد الخطير في الاندفاع غير المدروس الذي ضرب عرض الحائط
بجميع قيم الديمقراطية الداخلية لمؤتمرهم, ولم يقم وزنا لمختلف الأدبيات
التي أقرت, وأيا يكون الحال, فإنني أدعو العقلاء من أبناء الجنوب إلى فتح
الباب على مصراعيه لجميع القوى السياسية الراغبة في مراجعة مواقفها
المعلنة, بما ينسجم مع "إرادة شعب الجنوب".

إن احترام الذات الشخصية والجماعية يقتضي حتما أن تحترم
إرادة شعب الجنوب, ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخبرني أي سياسي أو
قيادي من أي توجه سياسي كان إنه لا يعلم ما هي "إرادة شعب الجنوب"...
الجميع اليوم يعلم بدقة ماذا يريد هذا الشعب العظيم, والجميع يعلم عدالة
مطلبه, والجميع يعلم حجم التضحيات الجسيمة التي دفعها من دم قلبه في سبيل
هذا الحق المشروع... فما هو الأجدر بنا أن نتبعه ونناضل من أجله... هل
"الإرادة الدولية"... أم "إرادة شعب الجنوب"؟!. عن عدن الغد

مشكور