شخصية اليهودي ودلالتها قراءة في ثلاثة نصوص شعبية بقلم د . عزوي امحمد

شخصية اليهودي ودلالتها

قراءة في ثلاثة نصوص شعبية

بقلم الدكتور عزوي امحمد
جامعـة فرحـات عبـاس سطيـف



ثلاثة نصوص مختلفة الشكل متباعدة في المضامين ظاهريا ، لكنها في كوامنها الداخلية ، وفي علاقاتها المتفاعلة تبدو أنها تسعى إلى تحقيق غاية واحدة ، هذه الغاية تشكل في ذاتها صراعا، يغوص أحيانا ويطفو في أحايين أخرى،مشكلا تناقضا إنسانيا على المستوى العام للإنسان.

الحقيقة ، أخذت شخصية اليهودي كموضوع لمجموعة من الدوال التي تحتاج إلى وقفة متأنية،من خلال استنطاق النصوص ومساءلتها عن ما تحمله هذه المضامين من دلالات رمزية ، قد تنطبق على وقائع ماضية أو آنية . والواقع قد تجمع لدي مجموعة كثيرة من النصوص القصصية الشعبية ، فلم أجد في شخصياتها أثرا لشخصية اليهودي ما عدا ثلاثة منها ، فاستوقفتني هذه النصوص الثلاثة ، فأعدت قراءتها مرات كثيرة، ة والسبب في ذلك هو أنني لما أعود إلى المتعارف عليه في الأوساط الشعبية، والذي أصبح عرفا في تقاليدها هو أن ذكر اسم اليهودي غير مستحب وكأنه رجس ، فإذا حدث ذلك أثناء الحديث فعلى المتكلم أن يعقب بعد ذكر الاسم أللعنة ( ليهودي نعلو ربي أو ليهود ربي إلعنو) .

من هذا المنطلق تساءلت عن وجود هذه الشخصية في النصوص الشعبية ؟ وعن قبولها في التداول بين الجماعة الشعبية الرافضة لها؟

هذه النصوص هي : العربي واليهودي أو سلة الذبان. العجب . قاضي لحمام . وربما لها أسماء أخرى في أماكن أخرى.

العربي واليهودي ، صراع حاد بين اليهودي والعربي حول من يستطيع على مايملك منافسه ، ويفوز العربي شيوخ اليهود المخفيين عن الأحداث.

العجب ، يتفوق شاب عربي..... في تعلم أصول السحر فيدخل اليهودي في صراع معه ليمنعه من هذا العلم ، فينتصر الشاب عليه.

قاضي لحمام ، يسافر الرجل ويترك ماله وأهله أمانة عند اليهودي . فيخونه في مله ويتزوج إمرأته ويطرد أبناءه . يقاضي الرجل اليهودي فيسترجع حقه بالعدل.

فإذا عدنا إلى دلالة الشخصيتين ( العربي واليهودي) فإنها تتحول من مظهرها الأفقي التي تبدو في شكلها البسيط إلى مظهرها العمودي الدال على قضايا متعددة منفتحة ، لكنها مستقطبة حول التمكن في الوجود والسيطرة على هذا الوجود. لكن السيطرة على الجود هي المحاولة الدائبة المستمرة التي تحولت إلى صفة لصيقة باليهود، ) لأن في اعتقادهم أنهم شعب الله المختار وبقية الأمم لا قيمة لها عندهم )[1][1] وهذا معروف حتى في اسفارهم الدينية.

والشخصية المقابلة (العربي) تنسحب على كل مقاومة للبقاء، كمجموعة بشرية لها نفس الوجود، ولعل هذا التنافر بين دلالة الشخصيتين يعود إلى عهود خلت ينتقل عبر الأجيال المتنافرة في مسار التاريخ . لأن اليهود – وهذا ما جُبلوا عليه – ( ما يحسبه الناس كرما ورعاية وحفاوة يعده اليهود واجبا مفروضا على غير اليهود ... لأن شعوب الأرض زعمهم مُسخرة لخدمتهم لا يمنع اليهود من الحقد عليهم والتآمر على سلامتهما والإعداد لتقويض أركانها وتخريب ديارها واغتصاب أموالها ، والبطش بحكامها وقادتها)[2]

وربما،نتيجة لخبرة الشعوب مع هؤلاء كونوا لهم صورة فضيعة اختزنت في الذاكرة الشعبية – على الأقل في المجتمع الجزائري - مما جعل ورودهم في القصص الشعبي نادرا.

فإذا وقفنا عند النص القصصي الموسوم بالعربي واليهودي[3] وتعرضنا لمدلولاتها الداخلية التي يتكئ عليها النص في مدلوله العام ، يتضح لنا أنه قائم على الصراع بين طرفين ؛ أحدهما يريد إلغاء الآخر

والصراع هنا بين حق الوجود وبين الرغبة في إلغاء هذا الوجود، حق الوجود لكافة الناس ، والحياة في أمن وسلام . والرغبة اليهودية في السيطرة على هذا الوجود بطريقة الاستيلاء الاستحواذ ثم السيطرة على كل مقومات حياة الإنسان[4] .

فتجسد هذا الوضع في المنافسة الحادة بين العربي واليهودي ، فالنص يروي أن كليهما يتمتع بثروة كبيرة ويعيشان معا في مكان واحد .

لكن اليهودي لم يستوعب أن يكون غيره مالكا للمال مقابلا له، وهذا الإحساس مبعثه الموروث الثقافي والعقائدي لليهود ، وهذا ( لا لكونهم يقودهم الإله إلى الفوز المستمر لأنه شعبه المختار كما يزعمون، بل لأقليتهم وسعة ثروتهم واستحواذهم على مقاليد الحكم في العالم ، وطول باعهم في ترجيح كفة الجهة الغالبة التي يرون فيها مصالحهم )[5]

لذا تحرك اليهودي محاولا الإستلاء على العربي وأمواله ، فدعاه إلى منافسة جريئة ، الخاسر منهما يترك ماله وأهله للرابح ويخرج من مقامه .

اليهودي في هذا الوضع كما يشير النص اعتمد على حكمائه من الشيوخ ، الذين أخفاهم النص ، وهذه دلالة أخرى تبن شخصية اليهودي المزدوجة الظاهرة والباطنة. وهؤلاء الشيوخ يمثلون في الحقيقة( القوة الفاعلة والمحرك الدافع في الحركة اليهودية والتي تعمل في إذكاء نار الحقد والبغض في نفوس اليهود اتجاه المسلمين خاصة )[6] ، وهذا ما نجده في الوضع الدولي وما يجري فيه من أمور تتم كلها في الخفاء. ولعل ما قام به اتجاههم زعيم الحزب النازي في ألمانيا أد ولف هتلر لم يكن نتيجة تعصب عرقي أوديني كما يدعون ، بلة كان نتيجة الفساد الذي ألحقه اليهود بمجتمعه ، إذ يقول : ( فقد أثبتت لي الأيام أن ما من عمل مخالف للأخلاق ، وما من جريمة بحق المجتمع إلا ولليهود فيها يد ، فقد امتدت أصابع الأخطبوط اليهودي إلى جميع الميادين وفرض سيطرته عليها ، وأصبح هذا التغلغل كالطعون الأسود بل أشد منه فتكا )[7].

وتأتي هذه المنافسة في الواقع لتعبر عن التحدي بين الطرفين . غير أن القاص الشعبي ، وشعورا منه بما يحيط الأمة من مخاطر وتكالب التي تحاكها الصهيونية العالمية ، وإحساسه بانهزام وإحباط يعاني منهما نفسيا ، أراد أن يوجد نوعا من الإنتصاربوسائله الخاصة، ليحقق بذلك توازنا نفسيا بين واقع معاش وواقع متخيل.

ورغم الانتصار الذي حققه العربي على خصمه إلا أنه لم يستغل الشرط الموضوع بينهما ، وذلك للحفاظ على القيم الإنسانية والروحية التي تلعب دور الحاجز للنفس الإنسانية من الخروج من إنسانيتها .

كما أن هذا التصرف أعطى بعدا آخر يتمثل في تعرية شخصية اليهودي من القيم الإنسانية بصفة عامة ، لأن القيمة ( معناها أن هناك حواجز تحجز الطاقة الحيوية لتضبط منطلقاتها ، وترفعها إلى أعلى )[8] . وهذا المعنى القيمي قد انعدم عند اليهودي في النص الثالث كما سنرى فيما بعد.

وإذا كان النص الأول اعتمد على الجانب المادي لإعطاء صورة متكاملة لشخصية اليهودي القائمة على الجشع والطمع واسعي نحو التفرد بالمال وإلغاء الآخر .

فإن النص الثاني الموسوم بـ العجب فإنه ينحى منحى آخر، ربما أشد خطرا من الأول . فالعنوان ظاهريا هو السحر ، والسحر هو العلم، وحتى في الثقافات القديمة كأنة الساحر هو العالم، فالنص يوحي أن هذا العلم أوقفه اليهودي حكرا على بني قومه لا غير ، وكل من يتجرأ ويتعلمه فمصيره الموت حسب ما ذكره النص.

ولعل أقرب حالة لنا يمثلها النص الشعبي على الرغم من قدمه هو محاولة إيران في مسعاها تَمَلُك التكنولوجيا النووية وما تلاقيه من معارضة شديدة من الدول التي تسيطر عليها قوى صهيونية و على رأسها أمريكا و إسرائيل .

وقد يقول قائل إنني حملت النص ما لا يحتمل ، لكن تداعيات النص التأويلية ترغمنا على أن نأخذ النص بهذا المأخذ ، ثم أن النص و إن كان قديما فإنه من المعروف أن النصوص الشعبية قد تخلت عن مفهوم الزمن و خاصة الزمن الفيزيولوجي،إذ لها زمنها الخاص، و هذا الزمن

مرن نضعه حيثما ينطبق، من هنا كانت أحاث النص القديمة عبارة عن مواجهة حضارية و إلا بماذا نفسر رفض اليهودي لأي إنسان من غيرهم الحصول على علم السحر ؟ إلا أنه يمكن اعتباره أيضا الصراع القائم بين الأمم المتخلفة و الأمم المتحضرة.

ونحن نعرف أن اغلب هذه الأمم ليست يهودية و لكن نفوذ اليهود قائما فيها ، فوسائل الإعلام الكبرى العالمية تسير وفق ما تخططه المنظمات و اللوبيات اليهودية.

النص لم يعط تفاصيل كثيرة إلا أنه عرض شخصية اليهودي في ومضات سريعة كلها توحي بمظهر التفرد و التفوق . مما جعل القاص الشعبي يجره إلى نهايته و ينتصر للشاب الذي تمكن من الوصول إلى علم السحر و التمكن منه ، ونلاحظ هنا تقاطعا بين النص الأول و الثاني ، في أن نهاية اليهودي كانت من المرتكزات التي يعتمد عليها في تحقيق التفوق.

و ربما هذا يعود إلى الحالة النفسية للقاص نفسه إذ أراد أن يحقق انتصارا ولو معنويا ، وهنا لا أجزم أن القاص كان واعيا تمام الوعي بما يعرضه من أحداث متتالية في النص .

ومادام النص الشعبي مجهول المكان و الزمان و المؤلف . يصعب علينا ا ن نقرر ما إذا كان المبدع الأول للنص عمد إلى وضع علاقات داله عن وعي تام أو أنه صدرت عنه من لا وعي بذلك بطريقة الوضع دون القصد.

ولكن هذا لا ينفي تداول و استعمال الدوال بين أفراد الشعب مهما كانت بسيطة كبساطة معيشتهم، وقد رافقت الدوال( مسيرة الإنسان عبر تاريخه و تطوره و حافظ طيلة هذه الفترة على جوهره الدال)[9] فدخلت ضمن حركية الفكر عندهم، هذه الحركية تتفاعل في إطار القيم المعرفية الشعبية.

وإذا انتقلنا إلى النص الثالث والذي يحمل عنوان قاضي لحمام ،سنكتشف بعض الدلالات التي تحملها شخصية اليهودي ،ويمكن أن نأخذ في التعامل مع هذا النص منحى آخر حتى تتضح أبعاده ،ويمكن تفكيك النص إلى الوحدات التالية:

الشخوص : الأب ،الأم ، الولدان ، اليهودي .

المرتكز الظاهر : المال

المرتكز المخفي : مكر اليهود

الأب يعود من رحلة البحث بدجاجة تبيض ذهبا

اليهودي : محاولة التعرف على مصدر الذهب

اكتشاف الدجاجة

المبرر للاستلاء عليها : ذهاب الأب إلى الحج

اليهودي ينصب شراكه للإقاع بالزوجة بـ :

تقديم الهدايا ـ تقديم المال ـ توالي الزيارات ـ

النتيجة : وقوع الزوجة في شباكه ؛ الزواج ـ السيطرة عليها ـ العمل على طرد الأولادـ ذبح الدجاجة ـ السيطرة على الأموال والأملاك .

لكن ما دخل اليهودي ؟ أو بالأحرى لماذا كان النص متكئا على اليهودي؟

لأن القسم الأول كان سببا مباشرا لوجود اليهودي، وإلا انتهى الأمر باكتشاف البيض الذهبي ، وعاش الزوجان وأولادهما في سعاة وهناء ,ينتهي الحلم ويعود العي إلى الوقع ، حينئذ يكون النص لم يؤد رسالته التي يجب أن تصل .هذه الرسالة فيها خلفيات حضارية وعقائدية ودينية تختفي ظلال أحداث النص.

من المعروف أن المال زينة الحياة وركيزتها ، والمال قيمة من القيم الاقتصادية التي تعطي لصاحبها قيمة اجتماعية المجتمع.

غير أن اليهود نظروا إلى المال نظرة مغايرة لناموس الحياة ، وجعلوه وسيلة للسيطرة واستغلال الناس . فمنذ أن شاهد اليهودي البيض الذهبي غشيه الطمع وركبه الجشع فقرر الوصول إليه مهما كلفه الأمر.

فالنص يقدم له مسوغين مهمين :

المسوغ الأول : غياب الزوج الذي كان عائقا أساسيا.

المسوغ الثاني : ( الزوجة )المرأة ، وهي بطبيعة الحال ضعيفة لا تقاوم الإغراء .

فاستغل اليهودي هذين المسوغين أبشع استغلال ، فغياب الزوج حوله إلى موت أكيد .

تقديم الهدايا والأموال والتردد على البيت أوجد نوعا من الألفة التي تحولت بالاحتكاك إلى حب .

وبهذه الطريقة التي مارسها استطاع أن يكون الآمر الناهي في البيت ، ولكن بقيت له مشكلة تتمثل في الولدين الرابطين للماضي بالمستقبل ، أما الحاضر فهو يملك زمامه ، هذا الرابط تشده علاقة، هذه العلاقة هي الدجاجة التي ضمت الماضي في دائرة مغلقة ، وتركت المستقبل في دائرة مفتوحة ـ احتمال عودة الغائب ـ لذا قرر غلق دائرة المستقبل بذبح الدجاجة وبذلك تنفك تلك العلاقة ، ويستفرد بالزوجة .

فإذا عاودنا تركيب هذه الوحدات فإننا إلى دلالتين ، دلالة خاصة بالنص ، ودلالة عامة خارج النص .

فالأولى ، هي أن اليهودي رغم وضعه المادي الممتاز لم يحتمل رؤية آخر يملك مالا غيره وينافسه ، كما حدث في النص الأول ـ العربي واليهودي ـ لأن غرضه بالدرجة الأول هو تحطيم الأسرة التي أخذت تحتل مكانة اجتماعية بفضل بيض الدجاجة الذهبي ، وليس المال لأنه لما استولى على المرأة ومالها قام بذبح الدجاجة وهي مصدر المال ، لأنه في حقيقته يعرف أن الرجل لم يمت وسيعود بعد حين .

فإذا كان النص ظاهريا اعتمد على عامل المال ،لكن المال يأتي في الدرجة الثانية بالنسبة إليه ـ لأنه صاحب مال ـ فاعتمد على قطع الطريق أمام منافسه الجديد ليبقى متسلطا متفردا بماله الذي يُكون له سلطة اجتماعية ومالية.

والثانية يمكن أن نسقطها على أي وضع مشابه لما في النص سواء على مستوى الأحداث أوعلى مستوى المؤسسات ، كالاستعمار، أو المنظمات النقدية الدولية .

والملاحظ في جميع النصوص ـ وهي قليلة ـ التي يكون فيها اليهودي طرفا من الأطراف المتحركة داخل النص يكون الصراع فيها صراعا حضاريا أو صراعا عقائديا أو صراعا ماديا، ويأخذ صفة الديمومة من الماضي مارا بالحاضر إلى المستقبل ، وكل طرف يعمل للقضاء على الآخر ، وإن كانت الغلبة دائما في النص الشعبي للبطل الشعبي ؛ وهو تعبير عن حالات نفسية لإرضاء الناس ـ المتلقي ـ وإعادة توازنهم وجعلهم ( ينظرون إلى دائما فتختفي من حولهم مهازل الحياة وعبثها ، ومآسيها ولو إلى حين قصير من الزمن )10 هذا الزمن القصير في عمر النص يولد الانتشاء بالنصر في زمن متخيل يعكس اتجاه الزمن الواقعي ، فيخلق واقعا مغايرا داخليا يحطم فيه الواقع الخارجي ليعطي نفسا للحياة .



الهوامش:







[1]- ا محمد عزوي، القصة الشعبية الجزائرية في منطقة الأوراس الهيئة العامة لقصور الثقافة – مصر ط1 -2006 ص 200

[2] - عبد الله التل . الأفعى اليهودية في معاقل الإسلام.دار الإرشاد بيروت ط1 1971- ص 27.

[3] - الراوي سويكي علي .

[4] - انظر بروتكولات حكماء صهيون ( الكتاب)

[5] - عبد الحميدبن أبي زيان بن أشنهو . أصول الصهيونية ومآلها . ش و ن ت الجزائر 1974 ص 114

[6] - امحمد عزوي . القصة الشعبية الجزائرية في منطقة الأوراس ص203

[7] - أدولف هتلر . كفاحي .دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت د ت ص 114

[8] - محمد قطب . دراسات في النفس الإنسانية . البلد غير معروف ط 1967 ص129

[9] - قاسم مقداد .مندسة المعنى في السرد الاسطوري الملحمي ،جلجامش .دار السؤال دمشق ط1-1984 ص 57

10- يوسف أين قصير .حكايات وفلسفة . مطبعة شفيق .بغداد 1967ص