قضية اليمن الجنوبي: تَجَنُب الفشل (نص التقرير)
الاثنين 21 أكتوبر 2013 07:28 مساءًمجموعة الازمات الدوليةنشرت مجموعة الازمات الدولية مؤخرا النص العربي لتقريرها عن جنوب اليمن والذي اطلقت عليه (قضية اليمن الجنوبي: تَجَنُب الفشل ).
ولاهمية التقرير تنشر "عدن الغد" نصه كما ورد:
يعيش اليمن لحظة مفصلية في تاريخه. كان ينبغي للحوار الوطني أن ينتھي في 18 أيلول/سبتمبر، لتنطلق بعده عملية كتابة الدستور، وإجراء استفتاء عليه ومن ثم إجراء انتخابات. لقد تم تجاوز الجدول الزمني؛ ورغم أنه لم
يتم تحديد موعد نهائي، إلا أن ثمة رغبة مفهومة لدى العديد من اللاعبين الدوليين وبعض اللاعبين المحليين بالالتزام بشكل صارم بالمواعيد المحددة، واختتام مفاوضات مؤتمر الحوار الوطني واستكمال قائمة الأمور التي ينبغي إنجازھا في المرحلة الانتقالية.
لكن رغم التقدم الذي تم تحقيقه، لم يتم التوصل إلى اتفاقية تستند إلى قاعدة واسعة وقابلة للتطبيق حول البنية المستقبلية للدولة، وبالتالي حول وضع اليمن الجنوبي. الأسوأ من ذلك، من غير المرجّ ح أن يفضي الحوار الحالي إلى مثل تلك النتيجة، حتى لو تم تمديده لفترة قصيرة. إن الاندفاع لإعلان النصر وإكمال قائمة تحقق العملية الانتقالية يمكن أن يعني فرض حصيلة معينة لا تحظى بالشرعية أو المشاركة الضرورية. سيكون من الأفضل الاتفاق على تأجيل محدود للاستفتاء، ووضع اتفاقيات انتقالية معدّ لة وضمان إجراء الجولة التالية من المفاوضات بالتزامن مع إجراءات بناء الثقة وإشراك مجموعة أوسع وأكثر تمثيلاً من الأصوات الجنوبية.
يمكن المجادلة بأن تحديد بنية الدولة قد أصبح القضية السياسية الأكثر تعقيداً وتسبباً في الانقسام، و يجب أن يشكّ ل مكوّ ناً رئيسي اً في أي دستور جديد وفي أي تسوية سياسية دائمة. لقد قدّ مت الأطراف جملة واسعة من الخيارات: من نظام الوحدة الحالي، إلى نظام فيدرالي متعدد الأقاليم، إلى فيدرالية تتكون من إقليمين (إقليم في الشمال وآخر في الجنوب). حتى ھذا الطيف الواسع لا يشمل ما أصبح يشكّ ل في الجنوب دعوة جذابة تكتسب الكثير من الأنصار وتتمثل بالمطالبة بالاستقلال الفوري.
بالفعل فإن مسألة بنية الدولة ترتبط حتم اً بما يسمى بالقضية الجنوبية، والتي تختصر المطالب السياسية، والاقتصادية والاجتماعية الصادرة من الجنوب، الذي كان دولة مستقلة قبل عام 1990 . في الجنوب، ھناك خليط رخو من المنظمات والنشطاء الذين يربطھم تحالف غير وثيق، يُعرف بالحراك الجنوبي، يدعو إلى
الانفصال، أو في الحد الأدنى، إلى فيدرالية مؤقتة مكوّ نة من ولايتين يتبعھا استفتاء على مستقبل الجنوب. ثمة عاطفة قوية نحو الانفصال ويبدو أنھا تعززت خلال المرحلة الانتقالية.
لقد حقق مؤتمر الحوار الوطني تقدماً إلى حد ما؛ فقد ساعد في إطلاق نقاش علني، كان ينبغي أن يجري منذ وقت طويل، حول جذور المشكلة الجنوبية وبدأ بالنظر في النتائج المحتملة. إلا أن المؤتمر واجه قيوداً حادة؛ فالنقاش في صنعاء بعيد جداً عن الشارع الجنوبي الذي ينحى منحى انفصالياً على نحو متزايد. وداخل مؤتمر الحوار الوطني، حُ شرت النقاشات المتعلقة بالحلول، والتي تفتقر إلى التفاصيل، في الشھرين الأخيرين من المفاوضات. رغم أن إجماعاً بدأ بالتشكل حول بنية فيدرالية، فإن ثمة عناصر جوھرية لا تزال دون تسوية: كيفية تحديد الحدود الإدارية؛ وتوزيع السلطة السياسية؛ وكيفية تقاسم الموارد. حتى الاتفاق العام سيكون من الصعب تحقيقه. سيتطلب مثل ذلك الاتفاق جَ سر الفجوة المتزايدة بين موفدي الحراك، الذين يطالبون بمرحلة انتقالية لمدة ثلاث سنوات في فيدرالية تتكون من إقليمين لإعادة بناء الدولة الجنوبية قبل إجراء الاستفتاء الذي لم يتم تعريفه بشكل كامل بعد حول الوضع المستقبلي للجنوب، ودعاة الوحدة المتعصبون الذين يرفضون ھذا
الخيار بقوة.
سيشكل حشد الدعم الشعبي حول اتفاق نھائي تحدياً أكبر. ع لّق وفد الحراك مشاركته لحوالي ثلاثة أسابيع متذمراً من أن المفاوضات كانت منحازة ضده؛ وحتى ذلك الوفد نفسه بالكاد يمثل عواطف الحراك الأكثر
اتساعا وأكثر تشدداً. شريحة صغيرة من الحراك يتمتع العديد من أعضائھا بعلاقات وثيقة مع الرئيس عبد ربه منصور ھادي وافقت على الانضمام إلى مؤتمر الحوار الوطني. أما الجزء الأكبر من الحراك ففضل البقاء على ھامش المفاوضات التي اعتبرھا غير شرعية.
ربما كان انعدام ثقة الجنوب في مؤتمر الحوار الوطني محتوماً لكن ما فاقم منه كان غياب الإجراءات الحقيقية لتحسين الظروف الأمنية والاقتصادية في المنطقة.
رغم وعود الحكومة، لم يتغير الكثير، وھو ما أضعف أولئك الجنوبيين المستعدين للتفاوض ووف ر ذخيرة لأولئك الذين يعتقدون بأن الحل الوحيد يتمثل في الانفصال.
مع اقتراب أجل التوصل إلى اتفاق، تبدو جميع الأطراف أكثر تشبثاً بمواقفھا. يطالب وفد الحراك في مؤتمر الحوار الوطني بتنازلات كبيرة، مجادلاً أن أي شيء يقل عن فيدرالية تتكون من إقليمين أو وعد بتنظيم استفتاء على الوضع المستقبلي للجنوب أمر غير مقبول؛ في حين يرفض قادة في الحزب الحاكم السابق، المؤتمرالشعبي العام، وفي الحزب الإسلامي المھيمن، الإصلاح، رفضاً مطلقاً أياً من الاحتمالين، ويتمسكون بفكرة نموذج فيدرالي يتكون من وحدات إدارية متعددة. لقد راھن كل طرف من الأطراف على أثر الضغوط السياسية المتعارضة: يعتقد الطرف الأول أن قواعده الأكثر تشدداً ستجبر الشمال على الاقتراب من موقفھا، في حين يراھن الطرف الثاني على أن مصلحة ھادي في الإشراف على مرحلة انتقالية ناجحة ستدفعه لفرض تسوية على حلفائه في الحراك. لا يمكن للطرفين أن يكونا على حق، وفي الوقت نفسه يبدو التوصل إلى أرضية مشتركة أمراً صعب التحقق.
ثم ھناك أولئك الذين ظلوا خارج العملية. معظم أعضاء الحراك يراھنون على فشل المفاوضات، بسبب عدم القدرة على التوصل إلى تسوية ذات معنى أو، إذا تم التوصل إليھا، بسبب عدم تنفيذھا على الأرض. ويتعھدون بتصعيد الاحتجاجات وتصعيد حملة العصيان المدني، بصرف النظر عن قرارات مؤتمر الحوار الوطني، حتى يتمكنوا من تحقيق الاستقلال. سيشكل الاستفتاء الدستوري نقطة استقطاب لمعارضتھم، ما سيدفع إلى المقاطعة
وربما إلى اندلاع العنف. وستؤدي النتيجة إلى المزيد من تقويض شرعية المرحلة الانتقالية.
إذا كان اليمن يأمل بصياغة مستقبل أكثر استقراراً فإنه سيكون بحاجة ماسة إلى الاتفاق على القضية الأساسية المتمثلة في بنية دولته. ھذا أمر واضح. لكن ھذا لا يعني فرض تسوية نھائية في ظروف يغيب فيھا الحد الأدنى من الثقة، والشرعية والإجماع. وسيكون ذلك أكثر مما تستطيع دولة ھشة، وبلد مجزأ وطبقة سياسية منقسمة أن تعالجه. من المرجح أن ذلك سيضعف من مصداقية العملية، ويعزز الآراء الجنوبية الأكثر تشدداً ويدفع إلى ممارسات خطيرة تقترب من حافة الھاوية وإلى إراقة الدماء. بدلاً من ذلك، ينبغي أن يكون الھدف ھو التوصل إلى اتفاق ذو قاعدة واسعة يمكن للمفاوضات الشاملة في سياق ظروف أمنية واقتصادية أفضل وحسب أن تحققه.
التوصيات
إلى المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني، والحكومة اليمنية والداعمين الدوليين للمرحلة الانتقالية (بما في ذلك المبعوث الخاص للأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، ومجلس التعاون الخليجي، والاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء):
1. تعريف نجاح مؤتمر الحوار الوطني بأنه التوصل إلى اتفاق حول بعض القضايا، في حين تظل قضايا أخرى (خصوصاً قضية بنية الدولة) دون تسوية، ربما باستثناء المبادئ العامة، وتستمر النقاشات.
2. الاتفاق على تمديد الإجراءات الانتقالية مثل:
آ. تأجيل محدود للاستفتاء الدستوري والانتخابات التي تليه؛
ب. إجراءات بناء الثقة للجنوب (بما في ذلك وبين أشياء أخرى معالجة المظالم المتعلقة بالتوظيف
والأراضي؛ وتحسين الظروف الأمنية؛ وتفويض صلاحيات مالية وإدارية أكبر إلى الحكومات المحلية)، إضافة إلى إطار واضح ومحدد للجدول الزمني، وآليات، وتمويل ومراقبة التنفيذ؛
ج . تشكيل حكومة تكنوقراط إلى أن يتم إجراء الانتخابات؛
د . استمرار المفاوضات إما حول المسألة الأوسع لبنية الدولة أو إذا تم التوصل إلى تلك المبادئ
على تفاصيلھا؛
ھ. إشراك مجموعة أوسع من النشطاء الجنوبيين في المفاوضات التي ستعقد دون شروط مسبقة،
خصوصاً قادة الحراك خارج وداخل البلاد.
إلى دول مجلس التعاون الخليجي:
3. لعب دور أكثر فعالية في التيسير وربما الوساطة، إلى جانب الأمم المتحدة، في المفاوضات المستمرة.
إلى الحراك:
4. في حالة أولئك الذين لا يشاركون حالي اً في مؤتمر الحوار الوطني، الانضمام إلى أية مفاوضات موسّعة دون شروط مسبقة، وطرح خيار الاستقلال للنقاش.
5. الاستمرار في جهود تطوير ھيكلية قيادية متماسكة والاھتمام بشكل خاص بدعم وتشجيع جيل الشباب.
6. وضع حد للخطاب الاستفزازي الذي يؤجج الخلاف بين الشمال والجنوب
إلى حزب المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح:
7. دعم توسيع المفاوضات حول قضية بنية الدولة دون شروط مسبقة وبمشاركة طيف أوسع من نشطاء الحراك.
8. التأكيد العلني على الجوانب الإيجابية لترتيبات الوحدة والفيدرالية، بدلاً من معارضة الانفصال من حيث المبدأ أو التأكيد على تبعاته السلبية.
مقدمة .
، الجدل حول وحدة الأراضي، وتوزيع الموارد وتقاسم السلطة بين الشمال والجنوب ليس جديداً. في عام 1994 بعد 4 سنوات فقط من توحّ د الإقليمين، ألحق الرئيس علي عبد لله صالح، وحلفاؤه في الإصلاح 1 وھو حزب إسلامي سُني ومجموعة من الجنوبيين تُعرف بالزمرة، 2 الھزيمة بالانفصاليين بقيادة علي سالم البيض الرئيس السابق لليمن الجنوبي. إلا أن المعركة حول وضع الجنوب لم تُحسم على الإطلاق. بالنسبة للبعض، فإن الحرب أنھت حقبة الانفصال وعززت الوحدة. في اذهان آخرين، فإنھا أنھت فصل الوحدة وأدخلت البلاد في حقبة من الاحتلال الشمالي، والتھميش والتمييز. 3 في عام 2007 ، أطلقت حركة احتجاجية شعبية تُعرف بالحراك الجنوبي حملة تستند إلى الحقوق تطالب بتحقيق قدر أكبر من المساواة في الوصول إلى الوظائف والخدمات ودرجة أكبر من الاستقلال المحلي. بحلول عام 2009 ، وفي مواجھة إجراءات حكومية غير كافية وقدر متزايد من الوحشية، انتقلت إلى المطالبة بالانفصال.
4-قبل انتفاضة عام 2011 ضد صالح، كانت العواطف الانفصالية لدى الجنوبيين في حالة تنامي؛ وكان الحراك على وجه الخصوص يكتسب قدراً متزايداً من التأييد. بدت الاحتجاجات المناھضة للنظام في البداية وكأنھا توقف ھذا التطور مع انضمام العديد من الجنوبيين، بما في ذلك بعض أعضاء الحراك، إلى الشماليين في معارضة صالح. إلا أن التعاون مع النشطاء الشماليين سرعان ما تداعى بسبب التصور بأن الانتفاضة فقدت مصداقيتھا بمشاركة نخب من النظام القديم فيھا، إضافة إلى نزاعات حول كيفية معالجة القضية الجنوبية في المستقبل. بحلول نيسان/أبريل 2012 ، عاد نشطاء الحراك الذين كانوا قد ع لّقوا القضية الجنوبية إلى إحياء دعواتھم للانفصال.
5-في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 ، وافق صالح على مرحلة انتقالية متفاوض عليھا عُرفت بمبادرة مجلس التعاون الخليجي، وكذلك على تأسيس آلية تنفيذ مدعومة من الأمم المتحدة. بموجب الاتفاقية، نقل الرئيس صلاحياته إلى نائبه، الجنوبي، عبد ربه منصور ھادي، مقابل الحصانة الداخلية من الملاحقة القضائية. كتلة المعارضة السابقة، أحزاب اللقاء المشترك، التي يھيمن عليھا الإصلاح، تستحوذ الآن على رئاسة الوزراء في حكومة ينقسم أعضاؤھا مناصفة بينھا وبين المؤتمر الشعبي العام، الحزب الحاكم السابق. وقد كان حجر الزاوية في العملية الانتقالية مؤتمر الحوار الوطني الذي بدأ في 18 آذار/مارس 2013 ، والذي أوكلت إليه مھمة مناقشة القضايا العالقة ووضع دستور جديد لتوجيه الانتخابات التي حدد موعدھا النظري في شباط/فبراير 6.2014 يحاول أعضاء الوفود المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني التصدي لعدد من القضايا الشائكة. وتضم ھذه القضايا تعريف وتسوية الصراعات في محافظة صعدة وحولھا (حيث انخرط المتمردون الحوثيون في 6
1 التجمع اليمني للإصلاح ھو أكثر أحزاب المعارضة قوة. تأسس الحزب بُعيد عام 1990 ، ويضم عدداً من المجموعات والميول المتقاطعة، بما في ذلك رجال القبائل، ورواد الأعمال، وأعضاء في حركة الإخوان المسلمين المركزية وسلفيين متشددين.
2 تشير الزمرة إلى مجموعة سياسية جنوبية يتحدر معظم أعضائھا من محافظتي أبين وشبوة. أما خصمھا السياسي، الطغمة، فيتحدر أعضاؤھا بشكل أساسي من محافظتي الضالع ولحج. في عام 1986 ، خاضت الطغمة والزمرة حرباً أھلية دموية أدت حسب بعض التقديرات إلى مقتل ما يقارب 10,000 شخص في 10 أيام. بعد انتصار الطغمة، ھرب حوالي 30,000 من أعضاء الزمرة، بقيادة علي ناصر محمد، إلى الشمال، حيث تحالفوا مع صالح. الرئيس الحالي، عبد ربه منصور ھادي، ينتمي إلى ھذه المجموعة.
3 لمراجعة شرح لهاتين الروايتين لحقبة ما بعد حرب عام 1994 ، انظر تقرير مجموعة الأزمات رقم 114 ، "نقطة الانھيار؟: قضية
.6- اليمن الجنوبي"، 20 تشرين الأول/أكتوبر 2011 ، ص. 5
.8- 4 المرجع السابق، ص. 6
.12- 5 المرجع السابق، ص. 11
6 لمزيد من التفاصيل حول خارطة طريق العملية الانتقالية، انظر تقرير مجموعة الأزمات رقم 125 ، "اليمن: استمرار الصراعات، . والمخاطر التي تتعرض لھا العملية الانتقالية"، 3 تموز/يوليو 2013
25 أيلول/سبتمبر 2013 الصفحة 2 ، تقرير مجوعة الأزمات رقم 145
7 ودور الشريعة في النظام القضائي؛ وترتيبات ؛( جولات من الصراع مع الحكومة بين عامي 2004 و 2010 العدالة القضائية؛ ومستقبل النظام السياسي والانتخابي. رغم ذلك، ھناك اتفاق واسع بين جميع أطراف الطيف السياسي على أن التحدي المباشر والأكثر صعوبة يتمثل في القضية الجنوبية.
ما ھو على المحك في ھذه القضية ھو وحدة أراضي البلاد؛ وكذلك نجاح العملية الانتقالية الھشة. يشكل الاتفاق على بنية الدولة العنصر المحوري في أي دستور دائم وفي أي تسوية سياسية. من شأن انھيار المفاوضات الجارية حالياً أن يؤدي إلى احتمال استئناف الصراع الأھلي. وھذا سيعزز دون شك وضع الانفصاليين
الجنوبيين المتشددين، ما سيجعل العودة إلى المفاوضات المثمرة أمراً أكثر صعوبة.
البديل عن ذلك، وھو السيناريو الأكثر ترجيحا فيما يبدو والمتمثل في تسوية تحظى بدعم محدود حول القضية الجنوبية سيثبت أنھا مستحيلة التنفيذ على الأرض في الجنوب المؤيد للانفصال سيشكل مصدراً مساويا للقلق.
من شأن تنظيم استفتاء على الدستور في مثل ھذه الظروف أن يدفع الحراك إلى مزيد من التشدد ويتسبب في مواجھة بين المتعاطفين معه من جھة والحكومة المركزية، إضافة إلى الدعاة المتحمسين للوحدة، بمن فيھم الإصلاح من جھة أخرى. في الحد الأدنى، سيشكل ذلك مخاطرة في تفاقم الاضطرابات السياسية في الجنوب، وھي حصيلة بالكاد تستطيع حكومة مركزية ضعيفة واقتصاد عاجز التعامل معھا. بعبارة أخرى، إذا كان فشل المفاوضات الحالية سيشكل كارثة، فإن الاندفاع نحو حصيلة متسرعة لن يكون أقل سوءاً.
7 الحوثيون يسعون لإعادة إحياء الإمامة الزيدية ويسكنون بشكل أساسي في أقصى شمال اليمن (الزيدية ھي شكل من الشيعية يختلف
، عن الشيعة الاثنا عشرية السائدة في إيران، والبحرين، ولبنان، والعراق). لمزيد من المعلومات، انظر تقرير مجموعة الأزمات رقم 86
آ. البحث عن تمثيل الحراك
طبقاً لاتفاقية مجلس التعاون الخليجي، فإن الحوار الوطني يمثل حجر الزاوية في العملية الانتقالية والمنبر
الأمثل لتسوية القضية الجنوبية. بعد شھور من الجدل حول ھيكليته، وقواعد عمله والمشاركة فيه، أطلق
اليمنيون متأخرين المؤتمر في 18 آذار/مارس، فاجتمع 565 موفداً من مختلف الأحزاب السياسية، والمناطق والفئات الاجتماعية. تسيطر الأحزاب على حصة وافرة من المقاعد: يشغل المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه
112 ؛ والإصلاح 50 ؛ والحزب الاشتراكي اليمني 37 ؛ والناصريون 30 ؛ وخمسة أحزاب صغيرة يشغل كل منھا 4 مقاعد. يحتل الحراك 85 مقعداً والحوثيون 35 . تشكل النساء بشكل إجمالي حوالي 30 % من 8 ينبغي أن تحصل توصيات مجموعات العمل على 75 % من الأصوات كي تتم .% المشاركين، والشباب 20 المصادقة عليھا من قبل المؤتمر ومن ثم تحال إلى لجنة صياغة الدستور.
9 معظم المجموعات السياسية رحبت بمؤتمر الحوار الوطني وأوفدت ممثليھا إليه. لكن ومنذ البداية تمثلت نقطة ضعفه في عدم كفاية تمثيل الحراك وما ترتب على ذلك من افتقاره للشرعية في الجنوب. وفي محاولة لضمان
مشاركته، فرضت اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني التي قاطعھا الحراك أن يكون 50 % من
إجمالي أعضاء المؤتمر من الجنوب. كما انخرطت الأمم المتحدة وشخصيات يمنية بارزة أيضاً في جھود
دبلوماسية مكثفة لإقناع قادة الحراك، خصوصاً أولئك الموجودون في المنفى بالانضمام إلى المؤتمر. 10 في المحصلة، قرر جميع قادة الحراك الموجودين في الخارج والأغلبية الساحقة للقادة الموجودين في الداخل عدم
الحضور.
معظم نشطاء الحراك رفضوا مؤتمر الحوار الوطني من حيث المبدأ. أحد النشطاء قال:
نحن [الحراك] لا نقبل إطار مؤتمر الحوار الوطني بأكمله، لأننا لا نقبل بوجود الجمھورية اليمنية. نحن لا نعتبر الوحدة شرعية وننظر إلى ما يحدث الآن على أنه احتلال شمالي. القوى السياسية التي شكلت مؤتمر الحوار الوطني وقررت قواعد عمله غير شرعية إطلاقاً.
11آخرون عبروا عن اعتراضات تتعلق بالجوانب العملية، بما في ذلك الاعتقاد واسع النطاق أن الفرضية الحاكمة لنقاشات مؤتمر الحوار الوطني كانت الوحدة، وبالتالي فإن الانفصال لم يكن خياراً جدياً في النقاش. 12 كما لم يكن ھناك رضا عن أن مؤتمر الحوار الوطني حشر القضية الجنوبية مع مشاكل أخرى على المستوى الوطني؛ فنشطاء الحراك يعتبرون القضية الجنوبية مختلفة جوھرياً وبالتالي تستحق مفاوضات منفصلة بين الشمال
والجنوب. وكبديل للإطار القائم، كان نشطاء الحراك يقترحون عادة أن يعقد مثل ذلك الحوار بين الشمال والجنوب خارج البلاد وتحت رعاية دولية، بھدف الاتفاق على شروط الانفصال السلمي.
13في النھاية انضمت مجموعة صغيرة من ممثلي الحراك بعضھم مرتبط سياسياً بھادي (العضو في المؤتمر الشعبي العام) وجميعھم مستعدون للتفاوض على حلول غير الانفصال الفوري إلى المؤتمر. إلا أن نفوذھم على القواعد الشعبية محدود ومرونتھم التفاوضية مقيدة بشدة بالنظر إلى أن أغلبية الحراك ذات ميول انفصالية.
بعضھم يحظى باحترام شخصي لكنھم يفتقرون إلى النفوذ الكافي لدى قواعد الحراك، خصوصاً في المناطق المؤيدة للانفصال مثل الضالع ولحج. إن مكانتھم، داخل الحراك على المحك، من العديد من الأوجه، حيث إنھاتعتمد على كسبھم للمزيد من التنازلات أو انسحابھم من المفاوضات.
يقسم .“National Dialogue Conference’s share distribution decided”, Yemen Times, 29 November 2012. 8
المؤتمر إلى 9 مجموعات عمل، وصممت إجراءات التصويت بحيث تشجع الإجماع.
www.ndc.ye/page. ، 9 انظر "الأسئلة الأكثر طرحاً في الحوار الوطني"، الموقع الرسمي لمؤتمر الحوار الوطني
صممت إجراءات التصويت لضمان أقصى درجة من المشاركة. وحدھا التوصيات التي تحصل على 75 % من .aspx?show=73
الأصوات في مجموعات العمل تقدم إلى جلسة عامة مفتوحة؛ وتحال جميع التوصيات التي تحصل على أقل من 90 % من الأصوات فيمجموعة العمل إلى لجنة الإجماع، التي يطلب منھا محاولة الوصول إلى درجة أكبر من التوافق قبل التصويت العلني. من المرجح أن تنتج ھذه المتطلبات في التصويت توصيات غامضة وعامة، ما يترك فسحة كبيرة للتفسير من قبل اللجنة الدستورية.
.
لا شك أن رفض الحراك للمشاركة بشكل عام أضر بمصداقية مؤتمر الحوار الوطني. إلا أن الداعمين الدوليين لمبادرة مجلس التعاون الخليجي خصوصاً الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة وألمانياعبروا بقوة عن قناعتهم بأن المؤتمر ينبغي أن يمضي إلى الأمام وأنه لا ينبغي السماح لمجموعة واحدة بإعاقة العملية برمتھا. 14 بالنظر خلفاً، شكك مراقب يمني بھذه المقامرة التي تنطوي على مخاطر قائلاً: "لقد غادر قطار الحوار الوطني المحطة، لكن عدد الركاب الذين على متنه أقل بكثير مما ينبغي". 15
ب. بيئة سياسية معادية
بصرف النظر عن الحراك، بدا أن الدعم للعملية الانتقالية بين المكونات المختلفة كان واسع النطاق نسبياً في البداية. الإصلاحيون الشماليون الذين كانوا يرغبون بمعالجة مشكلة المركزية المفرطة للموارد والسلطة في صنعاء وھي قضية لا تثير استياء الجنوبيين فقط، بل ھمّ شت مكونات في محافظات صعدة، ومأرب، وتعز والحديدة - رأوا في تسوية القضية الجنوبية أمراً محورياً.
16 وعلى نحو مماثل، فإن الجنوبيين التابعين للحراك عبروا عن تفاؤل حذر من أن العملية الانتقالية ستحسن أحوالھم الاقتصادية وستقدم للجنوب درجة أكبر من السيطرة على موارده وسياساته المحلية وذلك باستحداث نموذج فيدرالي يتميز بدرجة أكبر من اللامركزية.
17لكن وبعد عامين تقريباً على بداية المرحلة الانتقالية، فإن الآمال تضاءلت وتبددت احتمالات التوصل إلى حل سريع نسبياً وقابل للتنفيذ. وثمة عدد من العوامل مسؤولة عن ھذا.
1. الفشل في تنفيذ إجراءات بناء الثقة من شبه المؤكد أن الأحوال الأمنية والاقتصادية المتدھورة كانت بين العوامل الأكثر أھمية التي أعاقت المفاوضات. رغم تحقيق بعض التقدم، فإن ھذه الظروف تبقى تحت المستويات التي سادت قبل الانتفاضة، وتدفع إلى الإحباط من الحكومة والعملية الانتقالية برمتھا. وقد كانت النتيجة تعزيز القوى الطاردة التي تسھم
في تمزيق البلاد، بينما تقوّ ض الثقة بمؤتمر الحوار الوطني وتض يّق مساحة المساومة بالنسبة لممثلي الحراك في تلك العملية.
يتذمر الجنوبيون بشكل مستمر من تنامي النزعة الإجرامية، وانعدام القانون، والاغتيالات السياسية ونشاط القاعدة في شبه الجزيرة العربية. 18 في مدينة عدن الساحلية، يعبر السكان من مختلف أجزاء الطيف السياسي عن قلقھم من أن الفصائل السياسية بما فيھا الحراك، والإصلاح وأنصار صالح يدخلون أسلحة إلى المدينة.
19 بالمقابل، يزعم منتقدو الحراك أن الانفصاليين يھددون باستعمال العنف ضد أولئك الذين يحجمون عن الانضمام إلى حملة العصيان المدني التي ينظمونھا كل أسبوعين.
20 الحراك من جھته يشير إلى اتھامات باستمرار الأعمال الوحشية ضد المتظاھرين السلميين وإلى الاعتقالات غير القانونية.
21 يظھر الانھيار الأمني في أوضح صوره في المحافظات الشرقية كحضرموت وشبوة، حيث ترتفع وتيرة عمليات القاعدة في شبه الجزيرة العربية في كانون الثاني/يناير 2009 عندما حصل اندماج بين فرعي القاعدة في اليمن والسعودية. يتزعم المجموعة متشدد يمني ھو ناصر الوحيشي، وھو خريج برنامج "المناصحة" في السعودية (والذي يھدف إلى إصلاح المتشددين المعتقلين) والذي استأنف اللجوء إلى العنف. وھو الآن نائب زعيم التيار العالمي للقاعدة والرجل الثاني بعد أيمن الظواھري. اليمنيون لا يشيرون إلى القاعدة في شبه الجزيرة العربية، بل إلى القاعدة وحسب.
العربية، 22 ما دفع إلى شن ھجمات أمريكية بطائرات دون طيار وإلى عمليات عسكرية من قبل الحكومة قرب مدينة المُكلّا الساحلية في حزيران/يونيو 23.2013 يصف السكان العمليات العسكرية الحكومية بأنھا مسرحيات سياسية تؤديھا حكومة أكثر انشغالاً بالحصول على الدعم الغربي في مكافحة الإرھاب منھا بمحاربة التھديد الحقيقي لنفوذ القاعدة.
24 منذ انتفاضة عام 2011 ، استھدفت سلسلة من الاغتيالات السياسية ضباط أمن ذوي رتب متوسطة؛ رغم أن الحكومة تتھم القاعدة، فإنھا أخفقت بشكل مستمر في تحديد مرتكبي ھذه العمليات أو إخضاعھم للمساءلة.
25 عناصر الأمن المحليون يشعرون بضغط ھائل، حيث يفضل بعضھم عدم ارتداء لباسھم الرسمي علناً؛ وقد أضاف ذلك إلى الشعور بوجود فراغ أمني.
26 العديد من سكان حضرموت يشكون في أن السلطات المركزية والجماعات الشمالية المختلفة تتآمر لنشر حالة من انعدام الأمن كي تثبت للمجتمع الدولي أنھم غير قادرين على حكم أنفسھم.
27 الظروف الاقتصادية ليست أفضل حالاً. الفراغ الأمني، مصحوبا بحملة العصيان المدني التي يقوم بھا الحراك والتي أدت إلى إغلاق الھيئات الحكومية، والمدارس والشركات المحلية مرتين أسبوعياً يزيد من ضعف اقتصاد متھالك أصلاً. لقد أخفقت الحكومة الانتقالية في توفير الكھرباء بشكل دائم؛ في حين يعاني الشمال من انقطاعات مشابھة، فإن أثرھا في الجنوب أكثر عمقاً، بالنظر إلى وصول درجات الحرارة في الصيف إلى 40 درجة مئوية.
28 لقد سارع نشطاء الحراك للاستفادة من ھذه الظروف لتقوية حجتھم في المطالبة بالاستقلال، مجادلين بأن الحكومة الانتقالية لم تحدث تحسينات تذكر وأن الفرصة المثلى إن لم تكن الفرصة الوحيدة للتغيير تتمثل في الاستقلال.
29 أحد نشطاء الحراك الشباب قال، "ثمة أزمة حقيقية في الثقة بين الشمال والجنوب. لم يقدم الشمال حتى الآن أي برنامج محدد أو إجراء ملموس لبناء الثقة في الجنوب. لقد أصبح الوضع أسوأ، والحراك يكتسب المزيد من القوة".
30 لا ينبغي أن يكون ھذا مفاجئاً؛ فقد حث القادة السياسيون وكذلك أعضاء في المجتمع الدولي، حثوا ھادي على اتخاذ إجراءات تستھدف الجنوب مباشرة بعد توليه منصب الرئاسة.
31 بدلاً من ذلك، وحتى عام 2013 على الأقل، ركز ھادي بشكل أساسي على إعادة ترتيب ميزان القوى في صنعاء وداخل الجيش، حيث كانت أولويته الحد من نفوذ صالح وأنصاره، وإلى درجة أقل، قصقصة أجنحة خصم صالح، علي محسن الأحمر.
32 - في 20 أيلول/سبتمبر 2013 ، على سبيل المثال، اتھمت الحكومة مسلحي القاعدة بھجوم جريء على موقعين عسكريين في شبوة أدى
Nasser Arrabyee and Dan Bilefsky, إلى مقتل ما بين 21 و 23 عنصر أمن مسؤولين عن حراسة منشآت النفط والغاز. انظر
“Soldiers in Yemen are killed in attacks on 2 military targets”, The New York Times,20 September
يجادل أنصار الرئيس أنه قام فوراً بإعطاء الأولوية للأمن في الجنوب وذلك بإطلاق حملة عسكرية ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
مقابلات أجرتھا مجموعة الأزمات، صنعاء، حزيران/يونيو وتموز/يوليو 2013 . في عام 2012 ، أمر ھادي بالشروع في حملة عسكرية لإخراج أعضاء تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من مدن محافظته أبين، غير أن الانتصار الذي حققه كان قصير الأمد؛ حيث تبقى القاعدة في شبه الجزيرة العربية نشطة، وتقوم بتجنيد وتدريب المسلحين وكذلك باغتيال أفراد الأجھزة الأمنية، رغم أنھا لا تسيطر على المنطقة.
وعلى نحو مماثل، ففي آب/أغسطس 2013 ، وبعد شھر واحد من تشكيل اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، حثت اللجنة على العمل على ما أشارت إليه بوصفه "النقاط العشرين" والتي تعالج 11 منھا مظالم جنوبية محددة مثل ملكية الأرض، والحصول على الوظائف الحكومية والرواتب التقاعدية، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، والاعتذار عن حرب عام 1994 وإعادة فتح أبرز الجرائد اليمنية، الأيام، من بين أشياء أخرى. وفي حين تكررت الحاجة إلى اتخاذ العديد من ھذه الخطوات، فإن مجموعة العمل على القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني حثت على اتخاذ المزيد من إجراءات بناء الثقة (المعروفة ب "النقاط الإحدى عشرة")، مثل التوقف عن بيع الامتيازات الجديدة للنفط والغاز (خلال المرحلة الانتقالية) وبيع أراضي في الجنوب (إلى أن تنتھي لجنة الأراضي من عملھا).
33 حتى الآن، قامت الحكومة بتنفيذ إجراء واحد فقط. في 21 آب/أغسطس 2013 ، وبعد أيام من مقاطعة وفد الحراك إلى مؤتمر الحوار الوطني للمفاوضات، وھي المقاطعة التي استمرت ثلاثة أسابيع، اعتذرت الحكومة عن حرب عام 34.1994 في حين رحب موفدو الحراك إلى مؤتمر الحوار الوطني بذلك التحرك بوصفه خطوة إيجابية، فقد رُ فض الاعتذار مباشرة من قبل معظم النشطاء، الذين شككوا في توقيته وأكدوا على التزامھم بالانفصال.
35 وفي الشھر نفسه، أعلنت الحكومة موافقتھا على النقاط العشرين والنقاط الإحدى عشرة واعتزامھا تنفيذ كل تلك النقاط بما في ذلك إطلاق سراح السجناء السياسيين، والتعويض لضحايا حرب 1994 وعن عمليات قمع الحراك واتخاذ خطوات للسماح لجريدة الأيام بالعودة إلى العمل.
36 لكن وباستثناء تشكيل مختلف اللجان الحكومية وصدور مرسوم رئاسي في 11 أيلول/سبتمبر يعيد حوالي 800 جندي وموظف من أصل 70,000 فصلوا من عملھم أو أجبروا على التقاعد، لم يتم اتخاذ أي إجراء ملموس.
37 بالنسبة للجنوبيين، فإن غياب التنفيذ السريع والشفاف اعتبر دليلاً على أن شيئاً لم يتغير في صنعاء وبالتالي فإنھم لا يستطيعون الثقة بالحكومة أو بالعملية الانتقالية.
38 ليس من الواضح ما إذا كانت مثل ھذه التحسينات المادية ستخفف من حدة الدعوات إلى الانفصال. من المؤكد أنھا ستترك التطلعات السياسية دون معالجة،
39 لكنھا قد تساعد في استعادة بعض الثقة وبالتالي توفر مساحة إضافية لتحقيق التسوية. بعض إجراءات بناء الثقة المحتملة مثل تسوية قضايا ملكية
الأرض المعقدة وإعادة الجنوبيين إلى وظائفھم تواجه عقبات كبيرة، وتتطلب وقتا طويلاً ومواردا كبيرة تفتقر إليھا الحكومة.
لكن في الحد الأدنى كان بوسع الحكومة أن تضع خطة تنفيذ واضحة، تتضمن تحديد الھيئات المسؤولية عن كل إجراء، ووسائل التمويل وآليات الرقابة. 40 بدلاً من ذلك، فقد كانت العملية اعتباطية وتميزت بردود الفعل، 33 مقابلات أجرتھا مجموعة الأزمات مع موفدين من الحراك غلى مؤتمر الحوار الوطني، صنعاء، آب/أغسطس 2013 ، انظر أيضاً
Muhammed al-Hassani, “Hadi says government must find funding for 20 point implementation”,
Yemen Times,11 July 2013; and “11 conditions for Southern issue discussion”, Yemen Observer, 5
.April 2013
كما .New York Times,21 August 2013 “Yemen: Government issues public apology for wars”, The 34 انظر
اعتذرت الحكومة عن الھجمات التي قامت بھا في الفترة الواقعة بين عامي 2004 و 2010 في صعدة ضد المتمردين الحوثيين.
35 خرج نشطاء الحراك في مظاھرات كبيرة في آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر، وخصوصا في عدن والمُكلّا، رافضين الاعتذار. مقابلات
“Yemen apologizes أجرتھا مجموعة الأزمات مع نشطاء الحراك في مؤتمر الحوار الوطني، صنعاء، آب/أغسطس 2013 . انظر
to north, south for past wars”, The Daily Star, 22 August 2013; “South leaders reject govt. apology,
insist on separation”,YemenFox, 24 August 2013; “Thousands rally for southYemenindependence”,
.France24, 1 September 2013
.Saeed al-Batati, “Yemenapproves release of separatist rebels”, Gulf News,29 August 2013 36
“Yemen’s . 37 مقابلة أجرتھا مجموعة الأزمات مع أحد موفدي الحراك إلى مؤتمر الحوار الوطني، صنعاء، آب/أغسطس 2013
.Hadi reinstates officers in the South”, Agence France-Presse,12 September 2013
38 مقابلات أجرتھا مجموعة الأزمات مع نشطاء في الحراك، ومع أشخاص مستقلين سياسياً وفي المجتمع المدني في الجنوب، عدن، . نيسان/أبريل، أيار/مايو، حزيران/يونيو، 2013 ، المُكلّا، تموز/يوليو 2013
39 مقابلة أجرتھا مجموعة الأزمات مع نشطاء بارزين في الحراك، عدن، نيسان/أبريل 2013 . ضابط جنوبي قال، "من المستحيل فصل الحقوق الاقتصادية عن الحقوق السياسية. الحكومة في صنعاء تريد أن تثبت أنھا إذا لبت المطالب الاقتصادية، فإن ھذا سيحل مشكلة المطالب السياسية بالاستقلال. لكن موظفي الخدمة المدنية والعسكريين الجنوبيين ھم جزء من الجنوب، وحل مشاكلھم الاقتصادية لن .
يغير موقفھم حيال القضية الجنوبية. سيستمرون في المطالبة بالاستقلال؟ مقابلة أجرتھا مجموعة الأزمات، عدن، أيار/مايو 2013
al- . 40 في تموز/يوليو 2013 ، شكل ھادي لجنة وزارية تتكون من 11 عضواً مسؤولة عن الحصول على تمويل النقاط العشرين لكنھا لم تقدم عرضاً واضحاً بالأموال المتوافرة ولم .Hassani, “Hadi says government must find funding”, op. cit
تحدد المسؤوليات.
وافتقرت إلى الشفافية فيما يتعلق بما يمكن تحقيقه ومتى، ما و لّد درجة أكبر من الإحباط وأعطى الذخيرة للمنتقدين الذين يرون في الانفصال السبيل الوحيد للتقدم الى الأمام .
41
2. الخشية من عودة النظام القديم
لكن عقبة أخرى تعيق المفاوضات تمثلت في الاعتقاد وھو اعتقاد قوي بين أنصار الاستقلال الجنوبيين بشكل خاص أن نخب النظام السابق من الشمال التي أثبتت أنه لا يمكن الوثوق بھا تسيطر على العملية الانتقالية.
42 إنھم مقتنعون أن أي اتفاق على أية تغييرات داخل بنية الدولة الموحدة ستكون غير ذات قيمة، لأنھا ستبقى دون تنفيذ. انتفاضة عام 2011 ، التي تعرضت فيھا مراكز القوة السابقة للاھتزاز واكتسب خلالھا لاعبون جدد
الحوثيون، وشباب مستقلون، ونشطاء المجتمع المدني مزيداً من القوة، شكلت تحدياً مؤقتاً لھذه الرؤية لكن بمرور الوقت تلاشى التفاؤل ما أدى إلى إعادة إحياء الدعوات من أجل الانفصال. يمكن القول أن اليمن يدفع ثمن عمليته الانتقالية السلمية نسبياً. أدت اتفاقية مجلس التعاون الخليجي إلى تجنب المزيد من سفك الدماء لكن ذلك تحقق مقابل حماية النخب التقليدية (آل صالح وحلفاؤھم في حزب المؤتمر الشعبي العام؛ وخصم صالح الرئيسي، اللواء علي محسن الأحمر؛ وحلفاؤه داخل قبيلة الأحمر والإصلاح)، وھو الأمر الذي ضمن أن يلعبوا دوراً محورياً في إصلاح نفس النظام الذي ساعدوا على بنائه في المقام الأول. ھذا ما أدى إلى إعاقة العملية الانتقالية وغذى الشكوك حيالھا.
يشعر النشطاء بالإحباط بوجه خاص حيال الحكومة الانتقالية، المنقسمة بالتساوي بين المؤتمر الشعبي العام واللقاء المشترك. لقد أدت الصراعات السياسية الداخلية إلى شل الحكومة، التي يبدو أعضاؤھا أكثر تركيزاً على اقتسام مغانم الدولة من تركيزھم على إدارة الحكومة بشكل فعال.
43 كما يبدو أن ھادي والحكومة لا حول لھم ولا قوة في وجه الھجمات القبلية التخريبية على البنية التحتية التي تستھدف النفط، والغاز، والكھرباء والإنترنت، ما يؤدي بشكل متكرر إلى تعطيل الأعمال وتعقيد الحياة اليومية. لقد ظل الاقتصاد السياسي دون تغيير فعلي؛ حيث أن نفس المجموعات السياسية لا تزال مسيطرة رغم أن ذلك يحدث بطريقة مختلفة قليلاً على حصة الأسد من موارد الدولة.
44 في ھذه البيئة، يُنظر إلى مؤتمر الحوار الوطني بشكل متزايد على أنه مجرد عرض ھامشي، في حين أن اللعبة الحقيقية تنطوي على مفاوضات بين النخب بموازاة عملية تفتيت الدولة حيث تعزز مجموعات مثل الحوثيين، وإلى درجة أقل الحراك، من نفوذھا ووضع المزيد من المناطق تحت سيطرتھا. ھذا التصور لعملية انتقالية يھيمن عليھا بقايا النظام السابق يعقد تسوية القضية الجنوبية بشكل كبير، على الأقل على المدى القصير. يؤكد أنصار الانفصال الفوري على ھذا الواقع لتعزيز حجتھم بأن الاستقلال وحده يمكن أن يضمن لھم حقوقھم. علي سالم البيض، الرئيس السابق لليمن
الجنوبي وأحد قادة الحراك البارزين في المنفى، أكد على أن الثورة قد فشلت في الشمال:
قاعدة السلطة في صنعاء مبنية على ثلاثة عناصر: القبائل، والجيش والدين التكفيري.
45 ھذه ليست قوى سلمية وديمقراطية قادرة على بناء دولة مدنية. لم يحدث أي تغيير منذ ترك صالح السلطة؛ بل ظلت نفس القوى تحكم الشمال. لم يحدث ھناك ثورة حقيقية، على عكس الثورة الحقيقية التي تحدث في الجنوب
46 لقد انتشر التشكيك ووصل إلى الجنوبيون المنفتحين على الخيارات الفيدرالية داخل الدولة الموحدة، والذين تنتابھم المخاوف الآن من أن آل صالح، ومحسن والإصلاح سيحبطون التنفيذ الحقيقي لأي ترتيب جديد لتقاسم السلطة. وقد كان ردھم بتحديد ضمانات محتملة، مثل إجراء استفتاء على استقلال الجنوب بعد فترة انتقالية لمدةثلاث سنوات يمكن أن تُخت بَر خلالھا الخيارات الفيدرالية.
صحيح أن الحكومة الحالية تضم العديد من الجنوبيين البارزين، بمن فيھم الرئيس، ورئيس الوزراء ووزير الدفاع. لكن، ورغم ذلك، فإن نشطاء الحراك يزعمون عادة أنھم إما لا يتمتعون بسلطة حقيقية ولا بالموارد المالية التي تمكنھم من التأثير في صنع القرار في صنعاء، أو أنه تم شراؤھم، بحيث أن لھم مصالح مالية في النظام الفاسد في الشمال.
3. تجزؤ الحراك
لقد ثبت أن تجزؤ الحراك والمنافسة الداخلية فيه شكلت عقبات جدية أمام المحادثات أيضاً. يتكون الحراك، وھو بطبيعته حركة متغيرة ولا مركزية على مستوى القواعد، من عدد كبير من المنظمات والمؤيدين الأفراد. 49 في حين أن ھيكليته المتحولة جعلت منه حركة احتجاجية رشيقة ومستمرة، فإن ھذه الھيكلية نفسھا أعاقت بعدة أشكال المشاركة الفعالة في مفاوضات تتطلب وجود ممثلين يتمتعون بتفويض واضح. رداً على ذلك، يصر نشطاء الحراك على أنھم موحدون في مطالبتھم بإعادة تأسيس دولة في الجنوب. 50 مھما كان ذلك صحيحاً، فإنه لا يخفي الخلافات الحقيقية فيما يتعلق بوسائل تحقيق الانفصال. البعض ذوي الصوت الأعلى والتحرك
الأوضح يحثون على الاستقلال الفوري؛ في حين أن ثمة آخرين مستعدون للقبول بفترة انتقالية مصممة لإعادة بناء مؤسسات الدولة المحلية. وقد يكون الأھم من ذلك أن ھناك شبكة معقدة من القادة تتربع فوق ھذه الحركة الشعبية الحقيقية يتنافسون على النفوذ والسيطرة على الشارع.
المجموعتان الأكثر أھمية ونفوذاً في الحراك مرتبطتان بعلي سالم البيض الذي يعيش في المنفى في بيروت وحسن باعوم. كلاھما قائدان اشتراكيان سابقان ويؤيدان الانفصال الفوري بقوة؛ وكلاھما يرفضان مؤتمر الحوار الوطني وأي تسوية فيدرالية. بعض أنصارھم يرفضون حتى فكرة الاستفتاء على الوحدة، ويزعمون أن احتجاجات الشارع أكدت أصلاً أن الشعب يفضل الاستقلال.
إضافة إلى البيض، يلعب عدد من القادة المنفيين الآخرين أدواراً مھمة، رغم أنه يمكن القول بأن انفتاحھم على التسوية كلفھم الدعم الشعبي. أبرز ھؤلاء ھو علي ناصر محمد (الرئيس السابق لليمن الجنوبي وقائد الزمرة) وحيدر العطاس، التكنوقراطي الجنوبي وأول رئيس لوزراء اليمن الموحد. نظم ھؤلاء مؤتمر القاھرة في أيار/مايو 2011 الذي عبر عن دعمه لنظام فيدرالي مكون من ولايتين يتبعه استفتاء على الوحدة بعد 5 سنوات.
52 يبقى الھدف النھائي للمشاركين في المؤتمر غامض إلى حد ما؛ حيث يقول البعض إنھم لن يقبلوا أي شيء أقل من الاستقلال، بعد عملية تدريجية ومتفاوض عليھا لبناء الدولة .
53 ويقول آخرون إنھم يريدون حقيقة اختبار فيدرالية تتكون من إقليمين كحل دائم، رغم التشكك العميق في أن الشمال سينفذ الإصلاحات المطلوبة
لتحقيق ذلك.
54 تفاقمت الانقسامات داخل الحراك بسبب الاتھامات بوجود مصادر متباينة للدعم الخارجي. معظم القادة المنفيون بمن فيھم علي ناصر محمد وحيدر العطاس الذين يُعتق د على نطاق واسع أنھم يتمتعون بعلاقات مالية وسياسية مع مسؤولين حكوميين ومواطنين نافذين في السعودية وبلدان الخليج العربية الأخرى.
النقيض من ذلك، فإن الحكومة والمؤتمر الشعبي العام، واللقاء المشترك، وأجزاء من الحراك ودبلوماسيون غربيون يتھمون علي سالم البيض بتلقي الدعم المالي من إيران. 56 سواء كان ذلك صحيحاً أو لا، فإن مثل ھذه التصورات التي تأتي في وقت يتسم بالاستقطاب الإقليمي العميق أسھم في تقويض قدرة الحراك على التحدث بصوت واحد وعمّ ق الانقسامات داخل حركة متشظية أصلاً.
كما أن المرحلة الانتقالية أنتجت مجموعة جديدة كليا ھي حراك مؤتمر الحوار الوطني والذي يشير إليه العديد من السياسيين بوصفه حراك ھادي. 57 من بين 85 شخصاً يمثلون الحراك وافقوا على حضور الحوار الوطني وكانوا مستعدين لمناقشة خيارات تستبعد الانفصال المباشر، فإن 45 منھم ينتمون إلى المؤتمر الشعبي الجنوبي، وھي مجموعة يرأسھا محمد علي أحمد، المقرب من ھادي والذي يتحدر من محافظة أبين التي يتحدر منھا الرئيس. بشكل عام، فإن قيادة المجموعة بشكل أساسي الأشخاص المنفتحون على الخيارات الفيدرالية، ومعظمھم من أبين ومرتبطون بالزمرة وبھادي ينظر إليھم في الشمال والجنوب على أنھم يتحدثون نيابة عن شريحة محدودة من الحراك.
58 مشكلة أخرى تتمثل في الفجوة المتنامية بين الجيل القديم من القادة الجنوبيين سواء داخل مؤتمر الحوارالوطني أو خارجه والنشطاء الشباب المحبطون من الخصومات القديمة. وقد كان الإحباط حاداً على وجه خاص في عدن، حيث منع المتظاھرون بشكل متكرر قادة الحزب الاشتراكي اليمني من الجيل القديم من الصعود إلى المنصة والتحدث خلال المظاھرات.
59 في الوقت نفسه، فإن أكاديميين وشباب ونشطاء في المجتمع المدني يسعون لتشكيل قيادة جنوبية جديدة.
60 على نطاق أوسع، ومع ميل العواطف الشعبية في الجنوب نحوالانفصال، فإن أھمية وشرعية المفاوضين في مؤتمر الحوار الوطني باتت موضع شك. حتى عندما يقترحون تسويات محتملة، فإن المحتجين يعبرون عن درجة أكبر من العدائية حيال الحصائل الفيدرالية، ويھتفون: "لا للوحدة، لا للفيدرالية، برا، برا استعمار".
بشكل عام، فإن الصراع على التمثيل، وفراغ القيادة في الجنوب والتصور واسع الانتشار في أن الحراك لا يمثل فعلاً الحركة الشعبية قوض المحادثات ومن المرجح أن يفعل الشيء ذاته عندما تصل الأمور إلى تنفيذ أي اتفاق. ليس من المفاجئ أن عناصر الحراك التي لا تشارك في الحوار، بما في ذلك مجموعة الباعوم ومجموعة البيض، يرفضونه ويدعون المتعاطفين معھم لإعاقة الانتخابات القادمة.
61 في المقابل، فإن العديد من الشماليين عدد من جوانبه ولا يترجم إلى دعم رسمي للانفصال. لكن يبدو أن عدداً