سبعينية عبد النعيم وبؤس البحث
رغم هزال الاحتفال بذكرى الفنان سعيد عبد النعيم ( 1919 ـــ 2010 ) فيمكننا القول أنه أدى الواجب وأسقط عن كاهل أهل الشحر عيب عدم الاهتمام بفنانهم التراثي الشعبي المرحوم بإذنه تعالى . وأول ملاحظاتنا عليه هو عنوانه (( أربعينية فقيد الفن .. )) وهو غير صحيح . فبعد مضي وقت قد يطول وقد يقصر سيأتي من قد نســـي تاريخ وفاة الفنان سعيد , فينقص أربعين يوما من تاريخ الحفل , فتكون النتيجة خاطئة . وكان هذا الاحتفال قد أقيم عصر يوم الثلاثاء 28/ 9 / 2010 بمقر منتدى الشحر الثقافي الذي يشارك مكتبة الشحر العامة , في حين أن وفاة الفنان سعيد إنما كان في 20 / 7 / 2010. وعلى ذلك فالأصح أن نقول نحتفل بذكرى وفاة الفنان أو الذكرى
السبعينية , أي بمناسبة مرور سبعين يوما على وفاته . فلماذا الخجل من كنا نحن السبب فيه .
وثاني هذه الملاحظات , هو أن نسجل شكرنا العظيم لكل الشعراء الذين شاركوا في حفل التأبين , فقد بدل جلهم جهدا كبيرا لتحضير قصائدهم فجاءت كأروع ما تكون , رغم الاختلاف في اسم والد الفنان سعيد . والشعراء هم ( 1 ) أحمد فرج خنبش , من الغيل ( 2 ) صالح ناصر بن الشيخ على , من الديس ( 3 ) سعيد سالم بلكديش , من قصيعر ( 4 ) عوض سالم بن فاتح ( 5 ) محمد عبد الله با بعير ( 6 ) ثابت عبد الله السعدي ( 7 ) محمد سالم باداؤد .
أما المتحدثون في المناسبة فقد اعتادوا على تقديم مثلها , وقد كانوا غير متحمسين للحديث , وإنما كانوا كالمتكلفين بأداء الواجب وأنهم لن يعفو ولابد من حديثهم , والأجدر بكل واحد أن يستعد قبلا ويحضر لما سيقوله أمام ذلك الحشد الكبير الذي اقتضت به القاعة . وقد تحدث الآتية أسماءهم :
( 1) الأستاذ حين عمر با داهية , مدير عام مديرية الشحر
( 2 ) الأستاذ عبد الرحمن الملاحي , مستشار جمعية التراث ,
( 3 ) الأستاذ سال حسين السعدي , رئيس منتدى الشحر الثقافي .
( 4 ) الأستاذ عمر عوض خريص , رئيس جمعية الشحر للثقافة والتراث .
( 5 ) ________النوبي , منذوب الأسرة , والفقيد خاله .
الملاحظات ستؤخذ عامة دون تخصيص , فالأساتذة عيون في وجوه لا نحب أن نخدش أو أن نعطل واحدة منها , لكن هذه مسألة رأي يؤخذ بعين الاعتبار , ولكل واحد منا الحق في قبوله أو رفضه .
وأولها , قول أحدهم (( أبو نعيم سعيد عبد النعيم )) وفاته وهو من أهل الشحر , أن أهلها يكنون بعضهم بأسماء آباءهم حتى يتزوجوا وأنجبوا , فتتغير الكنية حسب اسم أول الأولاد , فيقولون لأحدهم مثلا أبو علي إذا كان اسم أباه علي , فإذا تزوج تغير أو بقي إذا لم ينجب أو جعل اسم ولده كاسم والده , فكيف يكون أبو نعيم من كان اسم والده عبد المعين؟ وهو لم ينجب ؟فالأجدر أن يكون ( أبو معين ), قال عادل أمام في مسرحية " شاهد ما شافش حاجة " : ( ذا ربنا له حاجات ... أنا واحد صاحبي اسمه أحمد عبد السلام وبنته اسمها عزه أحمد عبد السلام )
ثاني الملاحظات , قال أحد المتحدثين ( كان يرافق والده في زيارة الشاعر عبد الله باحسن ) لكن الفنان سعيد قال لمن سأله عن الشاعر باحسن : ( أنا ما عندي إلا خيال فقط للسيد با حسن ) وهذا يدل على أنه ربما زار باحسن بمعية والده , لكن عمره آنذاك لا يزيد على العاشرة . فعلماء النفس يقولون أن ذاكرة الطفل فيما بعد السابعة تصطدم بالمعلومات الكثيرة في الشارع , فترتبك , مما لا تجعله يتمكن من تخزينها. وحدث للفنان مثل ذلك . والأمر واضح من أن المتحدث قد اغتش بالخطأ في تأريخ ميلاد الفنان. فلو فرضنا أنه من مواليد 1905 فإن الفنان باحسن توفي في 1928 وهذا يعني أنه زار الشاعر باحسن في آخر مرة وابن ثلاثة وعشرين سنة , فهل سيكون جوابه ( أن ما معي إلا خيال ... ) هل يفقد الذاكرة من عمره يزيد على العشرين ستة ؟ أين حس المؤرخ هنا .
ثالثها , تحدث ثالث وقال : ( للفنان سعيد فضل نشر الأغنية الصنعانية في حضرموت والشحر قبل الفنان الشيخ أبو بكر با شراحيل ) وهذا كلام لا يوبه به ولا يعتد به , فالأغنية بأنواعها ومسمياتها وألوانها منتشرة في كل أصقاع اليمن وهي كاسرة للحدود المصطنعة بكل المقاييس , وإلى كل بقاع العالم التي يهاجر إليها المهاجرون من أهل حضرموت وغيرهم , كالهند وشرق إفريقيا وشرق آسيا . وكانت الشحر البوابة التي منها وإليها يفد هؤلاء عند ذهابهم وأوبتهم , إلى ومن تلك البقاع بعدت أو قربت منها . فهل كان الناس منتظرين ميلاد الفنان سعيد حتى يدخل أو يسمح بدخول الأغنية الصنعانية إلى حضرموت ؟ فهل كان سعيد مهدي الأغنية المنتظر ؟ من نستطيع أن نمنحه صفة الباحث ؟
أن عدد كبير من شعراء الأغنية الصنعانية من حضرموت , ومنهم العيدروس العدني والعيدروس المصري , ألم تسمع بهذين الشاعرين ؟ وخذ مثلا آخر , الشاعر جابر رزق زار حضرموت والشحر وربما التقى به باحسن ! وخذ مثلا أقرب , وهو عند باحسن , فكثير من قصائده المغناة يبدو متأثرا بالأغنية الصنعانية , وقد عارض وذيل وخمس وغير كثيرا من قصائد الآنسي الأب والابن وقصائد المفتي وجابر رزق وغيرهم . يا باحثين أين جهد الباحث .
ورابعها . نقول أن مثل هذا وأكثر جاء أيضا في مجلة ( سعاد ) التي احتوت على ملف خاص بالفنان الراحل ووزعت نسخا منها مجانا للحاضرين في ذلك الحفل . وكل المشاركين في تحرير المجلة إلا القليل لم يقدموا شيئا يذكر في حياة الفنان سعيد أيدا . ولما لم يكن لدبهم ما يضيفونه إلى حياته كثر الهرج والمرج حول تاريخ ميلاده والاختلاف حول اسم والده مع اتفاقهم على اسمه , حتى أنه يصلح فيهم المثل الحضرمي المردد والقائل :ــ (( كل بغى ذيك حتى با رماده صرخ )) ....