حديث السلفية- سلفية أم سلفيات
السلفية لغة واصطلاحاً : ما مضى وانقضى ، والقوم السُّلاَّف : المتقدمون ، وسلف الرجل : آباؤه المتقدمون . جمع سالف وهو كل مَن تقدمك من
آبائك وذوي قرابتك في السن أوالفضل ، وقالوا : إنَّه كل عمل صالح قدمته ، وقال السمعاني : السلفي - بفتح السين واللام وفي آخرها فاء - هذه
النسبة إلى السلف ، وانتحال مذاهبهم . على ما سُعمت منهم..
ونحن سنأخذ هذا التعريف الرسمي للمصطلح ، ونجعله نبراساً لنا في هذه المقاربة المقتضبة :
السلفية من حيث سعيها لاستقدام الماضي ، إنما هي تخدع نفسها لكون هذه الاستعادة مستحيلة على صعيد الواقع ، وما تصنعه فقط ، هو ارتهان
بعض من الحاضر لحضرة الماضي، مما يشكل في واقع الحال، وضع العصي في عجلة السير نحو المستقبل.
وحتى لا نقع في مطب الخطأ الشائع، لسنا أمام سلفية من نمط واحد، واتساقاً مع التعريف هناك أنماط عدة من السلفيات، والأخطر فيما بينها هو
من تخفّى في سلفيته وأعلن الحرب على السلفيات الأخرى..
أمام هذه الظاهرة، تبدو واقعة شائعة على قدر كبير من المفارقة، تتجلّى في كون السلفية غدت أو تكاد قد حطت وتخصصت بالطائفة السنية، في
حين قد تكون لسلفيات أخرى أكثر إغراقاً في السلفية منها..
وأذكر من بين السلفيات الأخرى ، السلفية الشيعية والمسيحية ، فكلاهما يهاجم السلفية الإسلامية – السنية ، ويذهب للنضح الخفي أو المعلن في
سلفيته .. ووجه الخطورة في هذه السلفيات أنها قد تغرق في التطرف وتسعى نحو اقتلاع ملتها من تاريخهم وثقافتهم، مما يجعلهم يعانون من
استلابين: يظهر الاستلاب الأول في الإغراق في سلفيتهم، بينما يظهر الثاني في هروبهم من محيطهم..
ومن بين السلفيات الأخرى، تلك المتمثلة بالسلفية المللية أو الطائفية ، التي قد تعاني حين الغلو من ظاهرة الاستلاب المركب (على نسق ما سبق)،
أو قل المطبق، حينما يتعالى
الشحن الطائفي إلى درجة العداء للآخر أو للكلي..
ومن السلفيات المستحدثة في واقعنا ، هي السلفيات الإثنية ، التي يشتط بعضها غلواً ، فيعمل على تدمير المشترك في فضاء المحيط..
أما السلفية القبلية فلها شأنها الخاص، من حيث وقوعها في وهدة التخلف.. وحدث ولا حرج ..
وسلفيات أخرى، يغيب شأنها عن أنظارنا ، وتتمثل بالسلفية الفكرية ، والسلفية الحزبية، والسلفية السياسية ..
في السلفية الفكرية : النموذج الممثل للسلفية الفكرية ، نراها قد تجلت في الأحزاب الماركسية وفق النموذج الستاليني ، إذ ما عتمت تنضح من
الأكليشيهات الجاهزة، حتى زمن سقوطها، وللمفارقة، فإن جدلية الماركسية تسمح لها بتجاوز كثير من معطياتها الجزئية وتطبيقاتها ، بيد أن النهج
الستاليني قد تناسى ذالك وراح ينضح من قطعياته..
في السلفية الحزبية : يتجلى ذالك أيضاً في الأحزاب الشيوعية وغيرها: لقد ظل خالد بكداش أميناً للحزب الشيوعي السوري طوال حياته ، وظهر على
غراره أحزاب عربية .. هنا وهناك..
في السلفية السياسية : أفضل نموذج عصري لهم: أنظمة العرب الملكية (قاطبةً، من حامي الحرمين إلى أمير المؤمنين المغربي) والجمهورية الوراثية.. (
مبارك، أسد، قذافي، علي صالح)
أمام هذا المشهد المعقد نقول بلا تردد العلمانية هي الحل.. ولا مستقبل لنا إلا في انتهاج سبيل العلمانية، والفكر المتحرر من الدوغمائيات (كحال
المتقدمين في هذا العصر)