الكركوس

الكركوس
ربما هم القليلون منا من يعرف حقيقة الكركوس , ولا عجب فقد اختفت شخصيتة منذ زمن تاركة لنا بعض من رواسبها بالذهن عالقة أبت الذاكرة إلا أن تحتفظ بها احتفاظها بكل ماهو غالي ونفيس , ولعل الأجيال الجديدة لا تعرف من هذه اللفظة إلا دلالتها التهكمية ورمزيتها الساخرة , كيف لا وهي لفظة يتداولها العامة من باب الاستهزاء والسخرية وخاصة من أشكال وطريقة كلام الآخرين حيث يشبهّونهم بها تهكماً دون دارية لمدلولها الحقيقي . والحقيقة أن الحديث عن الكركوس يقودنا إلى البدايات الأولى لفن المسرح والذي كان يتخذ في أطواره الأولى أشكال مختلفة مما يعرف بخيال الظل والعرائس أو الأراجوز فضلاً عن الألعاب البهلوانية والتهريج إلى جانب الحكايات الشعبية والتي كانت لها مجالس خاصة وجمهور غفير . ولعل أكثر تلك الأشكال صموداً كان فن العرائس ( الأراجوز ) أو مايطلق عليه محلياً بالكركوس , وهو فن قديم أستقل عن سابقه خيال الظل والذي كان سائداً في العصر العباسي ليشكل لنفسه ميداناً آخر وذلك بعد انتقاله لتركيا أبان خلافتها وليعود مرة أخرى إلى العالم العربي (1)وقد أكتسب لنفسه أسماً تركياً وهو ( القره قوز )(2) والذي حُرّف إلى الأراجوز باللهجة العامية المصرية وإلى الكراكوس أو الكركوس باللهجة الشحرية . ولسنا هنا بصدد استعراض الأراء الأخرى حول بداية ظهور وموطن الكركوس أو ماتعنيه الكلمة من دلالة (3), بقدر مايهمنا هنا هو تسليط بعض الضوء على كركوسنا الشحري هذا , وعلى الرغم من عدم معرفتنا للبداية الأولى لظهوره إلا أننا نستطيع القول بوجوده بمجتمعنا زمناً طويلاً لارتباطه بالأدب والفولكلور الشحري وتغلغله في ثقافتنا ولهجتنا المحلية فإلى جانب كونه مثّل شكلاً من أشكال المسرح الشعبي القديم والذي حمل أسمه ( الكركوس ) نجد أن بطله المسرحي وهو من العرائس يحمل دوماً هذه التسمية كركوس , ونذكر قديماً ونحن صغار ترديدنا لهذه العبارات مع التصفيق والتي جاءت كنوع من الرجز أثناء ممارستنا لعادة أخرى مشهورة بالأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك وهي عادة ( عولي ) حيث نردد فيها إلى جانب مانردده من أهازيج قولنا : ياكركوس ياسعادة .. شف أمك بلا عبادة . وسعادة تلك هي زوجة الكركوس في مسرح العرائس . ولعل في تلك العبارات نوع من الرفض التهكمي للوجود العثماني الذي توغل في هذه المنطقة وذلك منذ القرن العاشر الهجري , هذا إذا سلمنا بقدوم الكركوس ( القره قوز ) إلينا من تركيا كما أشرنا مسبقاً . أو ربما لأن القائمين بأدوار ذلك المسرح في فترة ماقبل التسعينات كانوا هم من الهواة لم يراعوا لعروضهم المسرحية تلك والتي تعرض على الأطفال وقت لأذان أو صلاة وإنما يستمرون بأدائهم لعروضهم تلك رغبة منهم في استزادة للأموال ساعدهم في ذلك حكومة غاضة الطرف عنهم . وعلى كل فعلى الرغم من ذهاب البعض إلى أن هذه الكلمة دخيلة على مجتمعنا إلا أننا نرى لها وجود وتغلغل في اللهجة حيث أوجدت لنفسها مشتقات تغلغلت في أحاديث الناس وتعابيرهم اليومية فيقال على سبيل المثال خلوا الكركسة بمعنى كفوا عن اللعب والسخرية , أو يقال فلان يتكركس بي بمعنى يستهزاء بي ويسخر مني , وهو فعل حمل معنى مغاير لما وجد في القواميس اللغوية حيث جاءت كلمة كركس أو كركس الشئ فيها بمعنى رده , وكركس الدابة بمعنى قيدها , كما يقال كركس وتكركس بمعنى تدحرج من علو إلى سُفل (4). وكما سبق وأن أشرنا فأن الكركوس تحمل دلالة تهكمية للسخرية من شخص ما سواء كان لشكله أو لطريقة وأسلوب كلامه , وهي أمور دفعت بالبعض إلى أن ينسب الكركوس إلى الشخصية الفاطمية قراقوش والتي كانت محتقرة من عامة الناس فكان التهكم والسخرية به من قبيل التشفي والانتقام(5) . بل وتطورت هذه الكلمة لتعني جميع أنواع وأشكال لعب الأطفال من دمى وعرائس حيث أطلق عليها بالكراكيس وأن لم تكن الأخيرة شائعة , حيث اتجهت للدلالة على كل أنواع الصور والرسوم المتحركة وأنواع الأفلام الكرتونية لتعني جميعها ( الكراكيس ) .
___________________________________________-
الهوامش والمراجع
1) د . علي الراعي , المسرح في الوطن العربي , سلسلة عالم المعرفة , العدد 25 , 1979م , يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت- ص44- 45 .
2) من مقال لعماد جمعة , بعنوان ذلك المسمى قره قوز عرائس وخيال ظل , مجلة الكويت العدد 261 جمادى الأولى 1426هـ - يوليو 2005م تصدرهاوزارة الإعلام الكويتية ص97 .
3) لمعرفة المزيد من الآراء عن موطن وبداية ظهور القره قوز انظر المرجع السابق ص96-98 , أو كتاب سعد الخادم , الدمى المتحركة عند العرب الناشر الدار القومية للطباعة والنشر – القاهرة .
4) مجموعة من المؤلفين , المنجد في اللغة والإعلام , الطبعة الثامنة والعشرون , دار المشرق – بيروت - آذار 1986م ص 682 .
5) تبنى هذا الرأي المستشرق الألماني ليتمان , انظر مجلة الكويت العدد السابق ص97 .

تسلم يابو حسن على الموضوع الفولكلوري الرائع .
وارجو ان تسمح لي بالمساهمة في هذا الموضوع لاثرائه وهو من مقال للدكتور محمد عبد القادر بافقيه في حديث ذكرياته وهو هنا يتحدث عن المكلا . يقول في المقال عن الكركوس :
(( الكركوس : ولعله مع بداية الحرب ان ذهبت مرة لزيارة الوالد في المكلا . وكان حينها ينزل ضيفاً على صديقه علي سالم رويشد كما اعتقد , وقد أخذني ( باصرة ) الذي كان يعمل مع رويشد .. ذات مرة لمشاهدة ( الكركوس ) ببرع السدة في غرفة اسفل دار باغفار او الى جوارها والكركوس هو الاراجوز او مسرح العرائس بلهجتنا . ومنه اشتقت لفظة كركسة للاعمال المضحكة والفعل يتكركس . وقد اختفى الكركوس من حياتنا بعد ذلك . كما ذهبت ذات ليلة معه لمشاهدة السينما .. اي والله السينما ! .. فقد افتتح مهندس السيارات المعروف محمد مايو رحمه الله داراً للسينما في غرفة بعمارة يعقوب القديمة يعرض فيها افلاماً صامتة لم اعد اذكر منها شيئاً ... ))
المصدر صحيفة الايام العدد ( 110 ) الصادرة بتاريخ 16 ديسمبر 1992م ص6 .

حياك الله اخي بن غاوي الشحري
ولك كامل شكري وتقديري لإثراءك مقالي هذا ونتمنى رؤية المزيد من مداخلاتك وابداعاتك كما عهدناها من قبل .

موضوع جميل اخي انور نشكرك عليه وعلى تذكيرك بماضي مدينتنا ( سعاد ) واشكر ايضا الاخ بن غاوي الشحري على مداخلته الاكثر من رائعة .

تسلمو على هالموضوع التراثي ..