من المسئول عن تغييب القضايا اليومية في الخطاب الديني
نور باعباد
السبت 01 سبتمبر-أيلول 2012 12:05 ص
كانت مقارنة قاسية ومفارقة عجيبة ففي الوقت الذي تقدم قناتان يمنيتان مختلفتا الاتجاه برامج دينية يجلد بها الفقراء والمهمشين وبينهم النساء، ثم هذه القناة تصور لنا معاناة يوسف عليه السلام التاريخية وكفى!! دون إسقاط على الواقع، وتلك تصور لنا واجب الزوجة الطائعة المهيئة نفسها لاستقبال زوجها وطاعته وكيف تأسره باللبس الحسن وو..و دون ربط دورها التنموي والأسري هذا هو نمط قنواتنا الحكومية والأهلية مجتمعات عليه.
يغفل هؤلاء ولا يتطرقون لحالات الظلم والتهميش فهذا يتزوج دون علم زوجته وبالتالي رضاها من عدمه مخالفاً النص القرآني، وذاك يتهرب ويغيب أشهر عن زوجته “وهذه واقعة” بل ويترك معها والده ووالدته تتصرف هي كيفما تشاء لتوفير لقمة العيش!! بالله عليكم ماذا يريد هذا الرجل من زوجته وكيف تتصرف بأسرته!! ولحسن حظ الجميع ثلاثة أطفال أكبرهم عشر سنوات وجد “مسن” وجده مسنة!!
هذه قضايا مخرجات التفكك الأسرة، الأعراف، التطرف، والإرهاب.. لا تعالجها البرامج الدينية بل تهتم بشبكات الإعداد والتقديم واختيار العناوين لها وأسواق بيعها فهي لا تختلف عن البرامج الدنيوية، وقد غاب عنها تقوى الله.. أما الغريب في البرامج الدينية التي خلعت رداء الزهد والتقوى لتدخل عالم الموضة الإسلامية وبعد أن حرموا على العامة اللبس والاناقة إذ بهم ـ الدعاة يلبسون قمصاناً ملونة مطرزة.. أما غطاء الرأس فقد حمل كمية من النشأ تساوي طبقاً من الحلوى لفقير يكاد المشاهدون من الرجال يتجهون ويذهبون لمعرفة الماركة فالنجاح المستخدم حقيقة رحمت الناس ومتابعاتهم بما تلبسه المذيعات ومحلات الازياء وما أشبه الليلة بالبارحة.
أما الخطاب الديني وتسويقه التجاري للأسف لا يسوق القضايا اليومية والمعاناة الأسرية ولا يبصر ما يقصر به رجالنا تجاه أسرهن وترك لحوم زوجاتهم وبناتهم ينهشه الجوع العاطفي، فالطبيعي من مأكل وملبس معتقدين بتعمد أنهن في بيوتهن في أمان.
للتذكير وما أكثر الحالات في الوقت الراهن هذه شابة ـ زوجة تركها زوجها تقرع البيوت تسولاً وبحثاً عن عمل، ما يخيف إن حدث مالا يحمد عقباه كون المجتمع مليء بالوحوش البشرية إذا ما علمنا أن زوجها فتح الله عليه بزوجة أخرى لأيٍ كانت الأسباب فقد بررت المسكينة هجرانها بأن سحر عُمل له.
للأسف لا تبصر قنواتنا وبرامجها الدينية مخاطر هذا الإهمال الزواجي وتذهب مقيم الإسلام بعيداً وكأنه دين عبادات وطقوس وليس معاملات وقيم وأسس لكل العلاقات والحياة اليومية بدرجة أولى، عندما سألت الشابة الزوجة المهجورة والمقهورة جراء عدم التعليم والزواج والإنجاب المبكرين سألتها: لما لا تعملين تلعثمت فحدود ثقافتها قاصرة والسلطة الذكورية جاثمة ولا يهمها جوعها واحتياجها ولا معنى العمل الذي لن يتوفر إلا بصعوبة بسبب أميتها وعدم تمكنها من أي حرفة.
هذا هو الواقع المرير والتحول الاقتصادي والاجتماعي الذي يدوس من لا يحمل أبسط خبرة حياتية ولا يحتاجه سوق العمل كما يحتاجه هو، وبدلاً من أن يستفيد الخطاب الديني ودعاته مهمة الواقع المرير ـ وكذلك شركات الإنتاج الإذاعي إذ بهم يتفقان على البقاء في بروج عاجية يستجرون التاريخ بشكل مجرد من الواقع والمسببات لهذه الآية ونزولها، وشعوب تفتقد أبسط أمور العدل والمسئولية.
كنت أتمنى أن ينبه أولئك إلى مخاطر ترك الزوجة ومسئولية الرجل في حال انحراف الزوجة لا أن تركز على تطيب المرأة، كنت أتمنى أن يتحدث الخطاب الديني عن احترام العلاقة الزوجية. كنت أتمنى أن ينبه الخطاب إلى حالات اجتماعية شاذة عن مجتمعنا حينما يترك الزوج أسرته ليس بحثاً عن العمل والهجرة لذلك بل للزواج من ثانية إرضاءً لنزعاته دون حياء من أن تجوع وتمرض أسرته وتذهب لأمور لا ترضى أي رجل أو امرأة فأين هي القوامة.
لقد اساء هؤلاء الدعاة والقنوات والشركات للإسلام وصوروه بأنه دين لإرضاء الرجل وغيبوا عنا تحمل الرجل للمسئولية الزوجية والاجتماعية كما غيبوا عنا حق الزوجة في الطلاق أو البقاء معه عند زواجه.. كما غيبوا عنا حق القوامة وربطها بالتقوى، والتقوى تعني العودة لله ومخافته في المسئولية وليس القوامة مقصود منها الشطح والنطح.. بل القوامة هي القيام بالواجب فهل تعني القوامة ترك الأسرة دون إنفاق أو الهروب من الأطفال وأي تربية تحقق وأين دور الأب في التنشئة الاجتماعية، والحال نفسه في المساجد التي تركز على قضايا ليست ذات أولوية في الوقت الذي تنهش في مجتمعنا سلبيات ـ مثل عقوق الوالدين، ترك الأسرة وحرمانها من المصروف، السرقات الأسرية، منع الميراث عن النساء وإرغامهن في أحسن الأمور ببيع إرثهن.
فالكذب والتسول وغيرها من الأمراض الاجتماعية.. وماذا عن أذى الجار وأذى الطريق وسرقة الحق العام من أرض والرشوة، ونهب الدولة بشركات يكون المسئول الحكومي هو أو قريبه رئيسها.. وهو مسئول الوزارة أو المؤسسة أو قائد عسكري أي كما يقال الحاكم والمحكوم وهكذا يتم التغاضي عن الرشد من الغي وعدم تبيانه كنماذج للهروب من الحق من قبل البرامج التوعوية وخاصة الإسلامية فهم يغيبوا الإسلام!!
وكأنهم يغالطون أنفسهم ولا يبصروا حتى بالقوانين الوضعية التي تحرم مثل هذه القضايا الانتحال والزور وهي قضايا تحتاج للتوعية والنصح الذي غيبه أولئك من رسالة الإسلام بتحريم الغش في العمل والتزوير.
إن للخطاب الديني دوراً هاماً للتذكير كون الذكرى تنفع المؤمنين وهي أشبه بما تسميه اليوم الربط بالواقع أي اقتران الأمور الدينية بالدنيوية ولابد من وزارات الإعلام والأوقاف أن ترشد وتبصر الجميع بحجم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والوظيفية وخطورة غياب الخطاب الديني التوعوي وبأن السكوت عند ذلك يوسع من قاعدة الظلم والفساد والبحث عن حلول قد لاتكون مناسبة وبسبب غياب هذا الدور تنشأ حالة من العداء والبحث عن حلول قد يكون التطرف الديني والأخلاقي والإساءة إلى الدين بحجب ضوابطه هي ما سيأخذ بها المظلومون والمحرومون بسبب السكون والابتعاد عن أنصافهم ومناصرتهم وعدم تبصيرهم. إننا نحتاج لإعلام ديني وسطي عملي لايحلق بنا بموضته بل بمضمونه الواقعي ولا ينافس القنوات.