معاناة الشعب في الشعرالشعبي
بقلم عمر خريص
يعبر الشعر الشعبي عن احاسيس الجماهير العريضة الممتدة على رقعة هذا الوطن الغالي. ويترجم معاناتهم وهمومهم الى كلمات ومعاني سامية وصور جميلة تعرض المشكلات العويصة التي اثقلت كاهل الشعب وانهكت كامل قواه , ودأب الشعراء الشعبيون على ان يكون شعرهم مرآة صادقة تعكس هموم المجتمع وتجلي مشكلاته على السطح ، وصوت الشاعر هو صوت الشعب ، لأن الشاعر لسان حال مجتمعه يعبر عن مشاعره ويطالب بمطالبه ، وفي قصائدهم تلك منهم من يصرح ومنهم من يواري ومنهم من يقدم معالجته في صورة كاريكاتيرية مضحكة مثلما قدم لنا الشاعر عوض صالح باشراحيل في منلوجه في آواخر السبيعنات وهو يعرض لمشكلة السكر ، حيث كان في السابق تم تحصيص السكر بكميات ضئيلة لكل فرد حصة يحصل عليها وهي اثنين كيلو فقط ، حينها كانت اكثر الاسر لا تكفيها هذه الحصة الممنوحة لهم بحكم القانون .
وفي حوار ذكي بين بين الشاعر والذبابة والنملة يسخر الشاعر من قانون التجويع الذي حل به وبشعبه ، ولنترك الشاعر يروي لنا قصته بل ويحكي تاريخ مالم يكتبه التاريخ حيث يقول:ـ
معي فنجان شـــــــاهي بنتعشبه
وسكر في وعاء جبته بجنـــبه
وحطيت الوعاء في القاع مفتوح
وفي لمحة بصر مني وغــــــفله
على العلبه هوت قامت بحمله
ذبابه حيث ماهو كان مطروح
وتبعتها بخــــــــــفة روح ذره
وشلت قسمها معها وجــــــره
وقالت بس يكفيني وباروح
ولكن الذبابة هي المصــــيبه
على السكر لها قالت ضــــريبه
وعا كل حلو حق لي فيه مسموح
نعم قلنا لها لــــــــكن تعالي
اما تدرين ذا ســـــــكر وغالي
ولا يحتاج لضريبه وتمســـوح
ولما ســمعت الذره كلامي
قالت انتبه من ذا الحـــــرامي
لا قد الغذاء في الصحن مقدوح
ولا له حق في السكر كمانا
وحقه العيش الا في العـدانه (1)
وكم من شاب منه مات مجروح
ويستمر المنلوج في ثمانية مقاطع حوارية لطيفة ، اما الشاعر (ثابت عبدالله السعدي) نراه يوظف التراث القصصي الشعبي في جمل معاناته وهموم شعبه خلال الفترة الانتقالية حيث استغل الحكاية الشعبية وهي قصة (فاطمة) حيث كانت في الاسر ، ومن خلف الجدران كانت تسمع اصوات القوافل المسافرة ولا تراهم ، فترفع صوتها صوتها بالغناء لعل احدا من بالركب يفطن لما هي فيه فيخبر عن مكانها اهلها ، وهي تنشد قائلة :ـ
ياذا القطار ياذا القطار ** سلم على أمي وبوي
وقل لهم شي فاطــــمة ** نحن الجبال الهائمــة
والى آخر الانشودة ، وفاطمة السعدي هنا هي الجنوب الخارج من قمقم الشطرية الى رحاب الوحدة ، فماذا يقول السعدي :ـ
ياذا القطار ياذا القطار ** بلغ الى صنعاء السلام
وقل لها دمعة عـــــــدن** تذرف وتبكي حـضرموت
قسمة شتار قسمة شتار(2) قسمي طلع ماهو تمـــــام
كل ماعطونا شقب شلوا(3) قسمهم شيره وحـوت(4)
أنا في انتظار أنا في انتظار* والوعد عاحسب الكلام
والظــــاهر أن الوعــــــــــــد تحقيقه لنا لما نـــــموت
واما شاعرنا الكبير حسين ابو بكر المحضار فقد كان الناقد ، وصوت الاحتجاج على وضع الغلاء الفاحش الذي حل بالمواطنين ولم يكن لهم به سابق عهد، فهو يصف ذلك بقوله :ـ
يقول بومحضار انا ماشكيت من جور الــــغلا
لكن شكا جاري عمر حنين واحمد بن ســــلوم
واحد قدر يؤكل وواحــــــد ياصحابي مــــاكلا
كل من خرج للسوق حصل نارها ملقي سموم
دلا بناء يامــــــعشر التجار والباعـــــــــــة دلا
ماحنا اجانب بينكم نحن خوة وابناء عــــــموم
من جوركم صحنا وراح البسط منا والســـــــلا
وغلى المعيشة ياعــــباد الله يلحق بالهمـــــــوم
اللؤم كله عاالحكومة لي عطــــينيها الـــــــــولا
ليها مخلتكم تلقون المــــــــصائب كل يــــــــوم
أهل البنادر(5) غفــلوا والناس لي هم في الخلا (6)
والبدو لي هم حولنا سيبان وعيال الحمــــــــــوم .
ولكاتب هذا المقال قصيدة بعنوان(الخصال العشر) نشرتها جريدة (الشرارة) عام 1992م يعدد فيها المفاسد التي حلت بالوطن ويدعو الى اصلاحها وتلافيها كان مطلعها:ـ
ياأهل المشورة في البلد والمــــعقلة
ردوا على الحيران بالرأي السديد
الوضع ذا الايام اشــــــــوفه مهقلة
ماشي مفند غـــــــير مادائم عصيد
عشر خصال عندي شوها الاوله
أمن البلد مفقــود وذا خطره شــديد
والثانية مصيبة رجـــوع القبوله
من بعد ماماتت حيوها من جــــديد
وتمضي في سياقها كاشفة العيب تلو الآخر ، وبما أن العيوب كثيرة والقصائد اكثر فأنا نكتفي بهذا القدر الضئيل للابانة والاشارة الى ملامح واتجاهات الشعر الشعبي في حياتنا المعاصرة .
ــــــــ
هوامش :ـ
1ـ كومة القمامة
2ـ غير مستقيمة
3ـ نصف راس الحوت
4ـ ربع الحوت
5ـ المدن الكبيرة
6ـ الارياف .
جريدة الايام- عدن –العدد(345) 26مارس 1997م: عمر عوض خريص