الفنان عوض عبد الله المسلمي

الفنان عوض عبد الله المسلمي

في عام 1327هـ / 1909م رحلت الأسرة بكامل أفرادها في رحلة داخلية من محافظة شبوة صوب محافظة حضرموت على قافلة من الجمال وعند وصولها ـ القافلة ـ قرية بئر علي الواقعة على الشريط الساحلي بين محافظتي شبوة وحضرموت توقفت قليلاً لتشهد ولادة الفنان عوض عبدالله المسلمي حتى أنه لقب بعوض البير، جاء ذلك في كتاب «المسلمي حياته وفنه» لمؤلفه الشاعر/أحمد بومهدي ، كما سجّل الفنان الأستاذ محمد مرشد ناجي نبذة عن قصة حياة هذا الفنان الخالد في كتابه الغناء اليمني القديم ومشاهيره: صـ. 159. ودوّن إسمه في موسوعة الاعلام للدكتور عبد الولي الشميري: العلم 16317

ينحدر الفنان عوض عبد الله بومهدي المسلّمي من أسرة ميسورة الحال سيطرت الأمية على معظم أفرادها نتيجة التخلف آنذاك.
كان أخوه الأكبر عمر عبدالله بومهدي المسلمي شاعراً شعبياً له عدة أشعار مدونة ومساجلات شعرية في مجالس الأدب، وهو صديق حميم للشاعر الغنائي المعاصر حسين أبوبكر المحضار.
عندما بلغ عوض المسلمي حوالي الثانية عشرة من عمره أصيب بمرض الجدري أفقده نعمة البصر وحال دون تعليمه ولكنه لم ييأس فكانت تلك الحادثة دافعاً وحافزاً له في تنمية مواهبه الفنية فاستطاع أن يجمع بعض من أصدقائه في الحارة ويشكل منهم فرقة فنية آلاتها بدائية محلية الصنع وهي عبارة عن صفيحة فارغة وأوتار مشدودة في بعض المسامير أطلق عليها تسمية آلة العود، كما كانت هناك آلة السمسمية أيضاً، كانت هذه الفرقة تعزف بعض الألحان الحضرمية المشهورة التي وضعها المطرب المشهور«سلطان ابن الشيخ علي آل هرهرة».
 
لم يدر بخلد أحد من الناس أن يكون لهذا الغلام الضرير شأن آخر وأنه سوف يشار إليه يوما ما بالبنان حيث شاءت له الأقدار فيما بعد وجعلته واحدا من أبرز الأعلام في الغناء اليمني.

غادر إلى الخليج العربي على إثر خلاف حدث بينه وبين أخيه الأكبر، حيث مكث هناك ثلاث سنوات عاد بعدها إلى الشحر وهي المدينة التي نشأ وترعرع فيها وبعد أن قضى قرابة عام قرر المغادرة تحسباً لاشتداد الخلاف بينه وبين أخيه مرة أخرى، وفي هذه المرة كانت قبلته عدن حيث اتفق مع «الناخوذا» على نقله مقابل أن يكون مطرب الساعية طوال فترة الرحلة، وكان المسلمي يجيد العزف على السمسمية إجادة تامة.

كان وصوله إلى عدن عام 1928 وهناك تعرف على الفنان عمر محفوظ غابه الذي أعجب بصوت المسلمي ودقة أدائه فقرر اصطحابه في كل حفلة في المخادر*

* (المخادر (جمع مخدرة): كلمة اشتهرت في عدن وتعني المحفل أو المجلس ولكنّي أفضّل كلمة أخرى عنها أشتهرت هي الأخرى في عدن وتؤدي نفس المعنى الا وهي المبارز.. إذ أنّ المخادر هي أقرب إلى النساء منها إلى الرجال فدائما ما نسمع عن خدر النساء و خدر المرأة وللمرأة خدرها وللنساء خدرهن.. أمّا المبارز فهي أقرب إلى المذكر، إذ أن البروز والظهور للرجل والرجال.)

والمقايل كضارب على الدف والدربوجة وكان لايبخل على رفيقه بالتشجيع حيث كان يتيح له فرصاً كثيرة ويقوم بتعليمه على ضبط أوتار العود تمهيداً للبدء في تعلم العزف عليه وبالرغم من تتلمذ الشيخ المسلمي على يد الأستاذ عمر غابة إلاّ أن التلميذ أستطاع التفوق على أستاذه وسطع نجمه في سماء الفن سريعا كالبرق بل أنّه تغلّب على أستاذه غابة في اجادته لجميع الألحان المشهورة كالصنعانية واليافعية واللحجية والحضرمية بينما قليلا ما سمعنا للشيخ عمر محفوظ غابة الذي غلب على غناءه اللون المونولوجستي .. فنجح المسلمي وهو الضرير في العزف على آلة العود وضبط الأوتار فكان سريع الالتقاط والحفظ، وقد ذكر بأن الشيخ علي أبو بكر باشراحيل كان يخشى أن يغني أغنية جديدة وصلت إليه من صنعاء أو يافع بوجود المسلمي في مخدرة أو مبرز أو في أي حفل آخر لأنه سرعان ما يلتقطها.
ولكنه كان كثيرًا ما يردّد أغاني أستاذه (عمر محفوظ غابة )، وايضا أغاني الفنان (سلطان بن الشيخ بن علي هرهرة).

ذاع صيت المسلمي ولمع اسمه الفني نتيجة لمشاركته الكثيرة في حفلات الزواج ومجالس القات ولم تقتصر شهرته على عدن بل امتدّت إلى عموم اليمن قاطبة وجاوزتها إلى جيبوتي والصومال والحبشة وأسّس تختاً موسيقياً ضمّ بعض العازفين وكان من أشهرهم بعد ذلك الفنان المرحوم محمد سعد عبدالله الذي استفاد كثيراً من رفقته للمسلمي، حيث اتيحت له الفرصة للتعرف على ألوان الغناء اليمني وأساليب أدائه مما أدى إلى تدعيم الروح الفنية في أعماقه. وهذا فخر بحقّ يحسب للشيخ المسلمي أن جعل فنانا كبيرا وقديرا فيما بعد يتأثر به وبنهجه كثيرا. فالشيخ محمد سعد عبد الله كما علمنا منه قد تأثر كثيرا بالفنان المسلّمي وفنان آخر لا يقلّ ابداعا واعجابا الا وهو الفنان الشيخ أحمد عوض الجرّاش.

أول أغنية سُجلت للمسلمي على اسطوانة سنة 1371هـ / 1951م من كلمات الشاعر عبدالمجيد الأصنج «من للباب ذا المغلق» وقد أقتبس لحنها من ألحان القمندان الشهيرة في رائعته «حالي يا عنب رازقي» .
لم يقتصر المسلّمي على الغناء العاطفي ولكن أيضا كانت له بصمته الواضحة في الغناء الثوري، موجة ذلك العصر، فاشتهر بأغانيه الحماسية للعروبة والقومية والتحرير والاستقلال، فهو صاحب الأغنية الشهيرة:
الهاشمي قال هبّوا يا رجال
كلّ العرب لليافعي يوم القتال
كلّ العرب ردّدت يحيا جمال
جمال= الزعيم العربي الراحل: جمال عبد الناصر
لقد كان المطرب عوض عبدالله المسلمي يتمتع بصوت جميل وممّن يجيدون ويبدعون في أداء الحمينيات اليمنية وبعض ألوان الغناء العربي وحفظ الكثير من القصائد اليمنية والعربية جعلت منه واحدا من كبار المطربين المشهورين أمثال الشيخ علي أبوبكر باشراحيل والشيخ ابراهيم محمد الماس والشيخ أحمد عوض الجراش وغيرهم من أساطين الغناء اليمني.

أصيب فناننا المسلّمي في أيامه الأخيرة بمرض السرطان العضال الجأه للسفر إلى الكويت لتلقي العلاج حيث مكث هناك ثلاثة أشهر ليعود بعدها إلى عدن في عام 1975 بعد أن طرأ بعض التحسن في صحته لكن المرض عاوده ولازمه حتى توفاه المولى تعالى في يوم السبت الفاتح من نوفمبر من العام 1975م / 1399 هـ .
قضى المسلمي قرابة نصف قرن من العمر في خدمة تراث وطنه وحفظ الغناء اليمني وإشهاره وتخليده.

رحم الله الشيخ عوض عبد الله المسلّمي وغفر له. آمين

وهنا سيرة حياته كما كتبها الفنان محمد مرشد ناجي

http://www2.0zz0.com/2011/01/05/16/648630390.jpg (http://www.0zz0.com)

http://www2.0zz0.com/2011/01/05/16/995994177.jpg (http://www.0zz0.com)