تراثنا في خطر
للاستاذ صبري عفيف
ان المتتبع لتراثنا الإنساني والعمراني اليوم يجد انه يمر بمرحلة صعبة لربما تكون من أصعب المراحل التاريخية ، حيث ان معاول الهدم تنخر به من كل الإتجاهات، في ظل غياب من يحميه ويدافع عنه إلا من رحم الله .لذا وجب علينا كأفراد ومؤسسات وجمعيات ومراكز مهتمة بالشأن التراثي تحمل مسؤولياتنا، وان نضع التراث والحفاظ عليه نصب أعيننا, ويجب ان ندافع عنه لأجل ابقائه حاملا لطابعه المميز .
ويمكننا تعريف التراث بانه هو كل ما ورثناه عن الأجداد , يقول الله تعالى إخباراً عن زكريا ودعائه إياه (هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب) أي يبقى بعدي فيصير له ميراثي ويقال (اورثه الشيء ابوه) أو (ورثه بعضا عن بعض قدما) أو أورثه (كابراً عن كابر) وروي عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم ) أنه قال (اثبتوا على مشاعركم هذه، فإنكم على إرث من إرث إبراهيم).
إذن كل ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون ونحوها من جيل إلى جيل ، نطلق عليه بالتراث الإنساني - التراث الأدبي - التراث الشعبي الى جانب التراث الحضاري والقومي والإجتماعي والتراث المادي وغيره .
وكل ما خلفه الأقدمون من مصادر مكتوبة ، يليها كتب الرحالة العرب والأجانب والمستشرقون والوثائق والمخطوطات كلها تعطي صورة متكاملة لمختلف جوانب الحياة التي اندثرت. بالإضافة الى ما خلفه الأجداد من آثار ظلت مصانة كالحصون والقصور والسيوف والدروع وغيرها مما شهد على أمجاد أمتنا العظيمة.
كما يعتبر التراث الحضاري المعماري وغيره على اختلاف أنواعه وأشكاله مبعث فخر للأمم واعتزازها ودليلاً على عراقتها وأصالتها، أي أنه معبّر عن الهوية الوطنية وهمزة وصل بين الماضي والحاضر، لذلك عرفت الدول والشعوب المتحضرة قيمة التراث فحافظت عليه ورعته ، ولكننا نحن للأسف لم نعي هذه القيمة فاهملنا تاريخنا وتراثنا فصار تراثنا في حالة يرثى لها.
ويختلف العمل في صيانة وترميم المباني التاريخية في الوطن العربي من دولة لأخرى وفقاً لقدرتها المالية والفنية والثقافية ونظرتها إلى التراث بكافة جوانبه، فهناك من يرى ضرورة صيانة ذلك التراث تعبيراً عن الاحترام للماضي والحرص على مواصلة الحوار معه لأن في ذلك ربطاً للماضي بالحاضر وتطلعاً إلى مستقبل زاهر مزدهر ومتطور، وهناك من ينظر إلى التراث نظرة سلبية ويرى فيه دلالةً على تخلّف الماضي وضرورة التخلّص منه، وقد سبب هذا تدميراً لكثير من المعالم التاريخية في بلادنا،وفي كثير من البلدان العربية.
فقد هُدمت الأسوار وبعض المباني الأثريّة أو التراثية لاستخدام حجارتها في بناء جديد. ويمكن القول إن الصراع بين مؤيدي التراث المعماري والفني ومعارضيه قد خلّف كثيراً من الضحايا لا زلنا نتحسّر عليها بسبب ضياع كثير من المعالم التاريخية التراثية في تلك المعركة إلى غير رجعة. وحتى نحافظ على مواقعنا التراثية ونحميها وندخلها ضمن قائمة المواقع الأثرية لليونسكو لابد من إعطاء لمحة سريعة لأهم المعايير التي يتم من خلالها اعتبار تلك المواقع جزءاً من التراث العالمي حيث يجب أن تتسم تلك المواقع بقيمة عالمية استثنائية وأن تفي بواحد على الأقل من معايير الاختيار, ثم تقوم لجنة التراث العالمي في اليونسكو بترشيحها ليتم إدراجها ضمن برنامج مواقع التراث الدولية.
هذه المعالم قد تكون طبيعية، كالغابات وسلاسل الجبال، وقد تكون من صنع الإنسان، كالبنايات والمدن، وقد تكون مختلطة وقد بلغ عدد المواقع المدرجة في هذه القائمة حتى عام 2011م ، 936 موقعاً، منها 725 موقعاً ثقافياً و183 موقعاً طبيعياً و28 موقعاً يدخل ضمن الصنفين، في 153 دولة من الدول الأعضاء ونطمح ان تكون تريم قريبا بإذن الله تعالى من تلك المواقع الاثرية المختارة لليونسكو والتي اختيرت في عام 2010م لأن تكون عاصمة للثقافة الاسلامية . أهم الأخطار التي تهدد المعالم التاريخية والتراثية في بلادنا :
أ : أضرار طبيعية مثل الأمطار والسيول: والتي تؤدي الى انجراف التربة التي تقوم فوقها المخلفات الحضارية أو زيادة نسبة الرطوبة النسبية فيها , إضافة إلى ارتفاع منسوب المياه الجوفية أو ارتفاع منسوب مياه البحار. ـ العوامل الجوية: وتظهر هذه العوامل في التقلبات الطقسية كارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها وشدة الرياح التي تلحق أضراراً كثيرة بالمعالم التاريخية والأثرية وبالمخلفات الفنية (عوامل التعرية ).
ـ الزلازل والصواعق, وتحدث أضراراً بالغة للمباني التاريخية والأثرية مثل الخلخلة والتشقق وأحياناً الانهيار اذا ما أهمل . ب: الأضرار الناتجة عن سلوك الإنسان, مثل: الحرائق والحروب وأعمال الهدم والتخريب والسرقة . وهناك مشكلة هامة ومؤثرة على المباني التاريخية وهي نمو النباتات في جدران المباني الأثرية, اضف الى ذلك مشكلة الرصف في الشوارع المحيطة بالمباني الاثرية والتي تؤدي الى تسرب المياه تحتها دون رويتها وهو ما حصل قريباً في مسجد المحضار .
والسؤال المتبادر الى الاذهان كيف يتم حماية مبانينا الأثرية والتراثية من الخطر؟ وللإجابة على هذا السؤال يجب اتخاذ عدّة أمور أهمها: • التعرف على أهم المباني الأثرية والتراثية التاريخية والفنية . • إجراء مسح أثري و تراثي للمنطقة لحمايتها. • عمل مخططات أولية لها وتوثيقها وتصويرها بعد حصرها . • إعداد قوائم بالمباني الأثرية أو التراثية المراد حمايتها. • المراقبة المكثفة للأعمال المعمارية وسن القوانين ضد البناء المسلح. • تشجيع البناء بالطين فطبيعة الجو في وادي حضرموت حار معظم أيام السنة ، كما إن طبيعة تركيبة الجنس البشري من الطين ، لذلك توجد حميمية وتناغم بينه وبين مسكنه الطيني.
• نشر الوعي بين أوساط الناس بأهمية التراث والحفاظ عليه وتتلخص بتعريف المواطن على أهمية الآثار والتراث الحضاري وإشعاره بالمسؤولية. • وضع ضوابط للبناء والحفظ والصيانة والترميم في المدينة القديمة ، ومعرفة اساليب حمايتها. • عمل الدراسات المتكاملة عن الاماكن والبنايات الاثرية . • إنشاء كليات ومعاهد متخصصة بالعمارة الطينية في وادي حضرموت .
• إقامة المتاحف المحلية المتخصصة التي تحمل الطابع التراثي ، وتشجيع إقامة مثل هذه المتاحف. • مشاركَة المؤسسات المختلفة من جامعات ومدارس وجمعيات ومراكز مهتمة بالتراث ونوادٍ وسواها للقيام بنشاطات تراثية مختلفة من محاضرات وندوات ومؤتمرات ، علما انه في اليمن وحضرموت عامة وتريم خاصة هناك من الشباب المتحمسين لتراثهم وتاريخهم فاستغلوا ذكرى 18 أبريل اليوم العالمي للحفاظ على المباني التاريخية والمواقع الاثرية.
فقام مركز العمارة الطينية بتريم بالتنسيق مع جمعية العمارة الطينية هذا العام 2014م بإحياء اليوم العالمي من خلال افتتاح معرض تراثي واقامة الندوات التي شارك فيها نخبة من المختصين , وعقدت حلقات نقاش ولقاءات وزيارات ميدانية للمواقع الاثرية ومحاضرات توعوية, وبذلك فقد اسهموا في توعية الناس بأهمية التراث والحفاظ عليه لاسيما في هذه المدينة التاريخية التراثية – تريم الغناء –التي تعتبر بوتقة لكل الفنون التراثية المتعددة ، والتي تتعرض حالياً بعض مبانيها وقصورها ومساجدها ورموزها التاريخية للعبث وتغيير الملامح التراثية التي كانت عليها سابقاً .
فشكرا لمركز العمارة الطينية بتريم لما يقدمه وهنيئاً لهم هذا السبق التراثي والتاريخي . أخيراً.. دعوة لكل محب للتراث والتاريخ بان يحافظ على هذا الكنز الثمين وان نشمر سواعدنا لحماية تراثنا , فتراثنا في خطر .
![][](/users/3013/90/91/96/smiles/731828.gif)
عن موقع تريم
الثلاثاء نوفمبر 17, 2015 4:23 am من طرف ngema
