أبو صلاح عبيد علي عبد المولى فنان كبير غادرنا مبكرا ولعل الكثير من شباب اليوم لا يعرفونه .
لكنهم يعرفون إبنه صلاح ,وعلى من لم يتذكر هذا الإبن يذهب إلى مساهمتنا ( الفنون الشعبية )
فهو بين سعيد عبد النعيم خميس وحسن عبد النعيم فرج الله , وهو فنان شعبي أيضا دائما على
المرواس مع الفنان الشعبي سعيد عبد النعيم في فرقته الشعبية وإن اختلفت التسميات .
نعود إلى الأب عبيد علي عبد المولى , فهذه المقالة تخصه وحده . وحقيقة الأمر نحن لا نعرف
الكثير عنه , لكني رأيته بنفسي وهو يحمل الهاجر ويتعامل معه عازفا كأحسن ما يطون التعامل,
ربما لم أقابل أحدا يعزف على الهاجر مثله وهو يعزف ويتمايل راقصا مع كل الراقصين مثلهم , إني
أتخيل الموقف الآن تماما . كان مشمرا فوطته إلى ركبته وهو رجلا طويل عريض , وبدأ الهاجر
معه وكأنه صغيرا أخاله الآن أمامي وقد إمتلأ وجهه بالغبار حتى لا تكاد تبين قسمات ذلك الوجه ,الذي
لم يتمكن من تصور الموقف يتخيل الصورة التي رسمها الشاعر صالح المفلحي الذي رسم صورة شعرية
جميلة للبنات وهن في حالة من الرقص الشعبي فقال ( روحن فوق جول الديس ملقات عاكر )
رحم الله أبا صلاح كان في مثل ذلك الوضع في الرقصة المسماة ( زامل العبيد ) والراقصين في
أشد حالات الرقص ذهابا وإيجابا , خطوتين للأمام وخطوة للخلف أشبه بما قاله أحد زعماء الشيوعية
هكذا كان أبو صلاح أقدر ممن عرفناهم على السيطرة على آلته الإيقاعية التي يتعامل معها .
وبالمناسبة كان في شبابه مسافرا بعدن ,وكان يسكن مع الصيادين في صيرة أو قل في إمتداد الأرض إلى
البحر ,في ذلك النتوء الذي يقابل جزيرة صيرة الذي يقال له الرأس وكان يمارس نشاطه الفني وخاصة
الرقصات الشعبية والغناء الشعبي ,وعنده سكن الفنان سعيد عبد النعيم في شبابه وعند أول خروج له من
مدينته الشحر .فكان أبو صلاح مرشده للتعريف بالفنانين أولا الشحارية ثم الحضارمة ثم الآخرين من كل
أجزاء اليمن .هناك عرف الفنان سعيد عبد النعيم كل من الفنانين عمر غابة وعوض المسلمي وطه خليل
وباذبيان وباشراحيل واجراش ومحمد سعد والصومالي والطفش وغير الطفش .
وكان أبوصلاح أستاذ الفنان عبد النعيم في التعرف على الألوان الغنائية الأخرى العدني واللحجي والتمكن
من اللون الصنعاني علاوة على الأغنيات القادمة من خارج اليمن كالأغاني القادمة من مصر والخليج والعراق
وحتى الأغنية الإفريقية .ورغم أن الفنان عبد النعيم لم بسافر إلى إفريقيا فإنه قد أذخل أحد الألحان على إيقاع
إفريقي شجي لنساء مدينة دار السلام بتنجانيقا يقال له (كاشا كاشا )فقد سكب اللحن والإيقاع على أغنية
(لامع البرق اليماني ) وكان ذلك من تأثير تلك الفترة التي صحب فيها الفنان أبو صلاح .
وعندما عاد الإثنان إلى الشحر كونا تختا فنيا معلنا وكان هذا من دور الفنان الشاعر عبد الله باحسن الذي خرج
بالطرب من مخابئه والبقاع الخاصة إلى الساحات العامة والاحتفالية , وكان التخت الطربي مكونا من ثلاثة
أشخاص فقط وهم الفنانين سعيد عبد النعيم مغنيا ووناقرا على الإيقاع ( الدربكة ),وسعيد فرج الجاوي
مرددا وناقرا على الرق ( الدف )وأبو صلاح عبيد على عبد المولى نافخا على القصبة ( المدروف )
واستمر الحال حتى وصلهم الفنان سالم خمور وشاركهم عازفا على العود .
الرجل كان صلبا , فقد أصيب بالشلل النصفي في آخر حياته لكنه تغلب على المرض .وخرج إلى السوق
والشوارع العامة يتوكأ على عكاز ورابط يده المشلولة بمنديل إلى رقبته.وعاش فترة ليست بالقصيرة,رحمه
الله .
ولم أكن أعلم إني سوف أكتب عنه في يوم قادم من الأيام وإلا لتذكرت أكثر مما كتبت وكنت قد سجلت شيئا منه
في حياته,أما إبنه صلاح فلم يستطع الإجابة على الإجابة على أي سؤال وجهته إليه ! وأعترف أنه فنانا
كبيرا على المرواس أقصد الإبن صلاح أما الأب فإن الذي كتبته الآن لا يرقى إلى ما أعطاه من فن شعبي رفيع
ولكن كما يقال جهد المقل, وهو خير من أن لا يعرف أهل بلدته شيئا عنه,وآمل أن أكون على القرب من
الصحيح عن حياته . وإن كان في أقل مما يستحقه منا , وأهيب بالذي يملك أي معلومة ولو صغرت أن
يرفعها فهي عندنا كبيرة, لأننا قد نكون قد ظلمنا هذه القامة الفنية الكبيرة التي اسست ووضعت بصمات هنا
أو هناك ,ولعل الكثيرون لا يعلمون أن الفنان العبقري أبو صلاح هو الذي أضاف المرواس الثاني في إيقاع
رقصة الغية بعد أن كانت على مرواس واحد,يتعب فيه العازف أي تعب , فكان هذا من وضع الفنان الكبير
والفنان العظيم أبو صلاح عبيد علي عبد المولى الشحري .
لم يعد لدي المزيد غير إني أتمنى أن أكون على الصحيح من أنه فارقنا إلى رحمة الله تعالى فيما بين الخمس
السنوات اللاتي سبقن الإستقلال عام 1967م.